بصراحة الهجوم خير وسيلة للدفاع عن حقوق العمال
مع بداية العام الجديد تبدأ النقابات بالتحضير لعقد مؤتمراتها السنوية والتي من المفترض أن تقدم كشف حساب أمام الطبقة العاملة السورية، باعتبار أن النقابات هي الراعية لمصالح العمال، والمفترض أن تكون الضامنة لحقوقهم ومكتسباتهم التي نصت عليها قوانين العمل السورية، وكذلك قوانين العمل العربية والدولية والتي صادقت عليها سورية، فأصبحت الحكومة السورية ملزمة بتطبيقها والعمل بها على جميع الأراضي السورية دون استثناء من هذه القوانين لأي قطاع يعمل به العمال سواء من ناحية تشكيل لجان نقابية، وتنسيب العمال إليها، أو التسجيل بالتأمينات الاجتماعية، أو شمول هؤلاء العمال بالرعاية الصحية والإجازات المختلفة، والعمال الذين تشملهم تلك المظلة نسبتهم إلى مجموع قوة العمل (1 إلى 6)، حيث تبلغ قوة العمل المقدرة بحدود (6 ملايين عامل)، أي تعادل 33% من سكان سورية بالمقارنة مع العدد الإجمالي للعمال حسب المكتب المركزي للإحصاء في القطاع العام، الخاص والمشترك (957094 عاملاً)، هذا إذا استثنينا قسماً من عمال القطاع الخاص، والذين يتضمنهم الإحصاء المذكور، وغير مشمولين بتلك الحقوق، حيث سينقص العدد المشمول إلى النصف أو أكثر قليلاً، ويمكننا القول هنا وهذا باعتراف العديد من النقابيين أيضاً أن النقابات هي لعمال القطاع العام، بينما عمال القطاع الخاص ليس لهم موقع داخل النقابات يتناسب مع نسبتهم الحقيقية من تعداد الطبقة العاملة السورية لأسباب عديدة يعرفها القاصي والداني، والقطاعات العمالية التي لا تشملها المظلة النقابية والحقوقية كثيرة، كما في المناطق الحرة والصناعية والكثير من المنشآت الصناعية المرخصة وغير المرخصة.
إن القوانين والاتفاقيات تنحاز لحقوق العمال ولكن الإدارات وأرباب العمل تحرمهم من هذه الحقوق، ولذلك يصبح تطبيقها أحد المهام الأساسية التي لا بد للنقابات من النضال من أجلها، حيث نرى من خلال استعراضنا لأوضاع الطبقة العاملة السورية بالعموم حجم تلك المهمات الملقاة على عاتق النقابات وكل القوى الحريصة والمتبنية والمدافعة عن مصالح الطبقة العاملة السورية وحقوقها المطلبية والأجرية والديمقراطية، والتي من وجهة نظرنا نعتبرها جزءاً من المعركة الوطنية الشاملة والتي لا بد من خوضها في مواجهة قوى السوق الكبرى وحلفائها الداخليين الذين يشنون الآن هجوماً واسعاً لتقويض القاعدة المادية الأساسية لصمودنا في وجه الهجوم الإمبريالي الأمريكي الصهيوني بأشكال مختلفة وأساليب متنوعة ظاهرة تارة ومستترة تارة أخرى، واضعين اقتصادنا الوطني في مخبر تجاربهم (الماليزية، المصرية، الصينية)، الجوهر منها تجريده من عناصر قوته التي تمكنه من أداء دوره الوطني والسياسي والاجتماعي الذي ظل يلعبه وبجدارة رغم كل ما أصابه من تشوهات بسبب النهب الواسع الذي تعرض له والذي أفقد الشعب السوري وخاصة الطبقة العاملة السورية إمكانية التطور الحقيقي والضروري، أي أن العلاقات الرأسمالية السائدة في الاقتصاد السوري وبشكلها المشوه، والقائمة على الاستغلال والنهب قد عمقت التناقض مع الطبقة العاملة، فلا الاقتصاد السوري استطاع أن يحقق نسب النمو الضرورية للأسباب السابقة، ولا الطبقة العاملة وقواها السياسية والنقابية استطاعت أن تتجاوز تناقضها مع علاقات الإنتاج السائدة مما أدى إلى ازدياد الهوة بين الطبقة العاملة وممثليها، لدرجة أن ممثليها لم يعترفوا بأزمة العلاقة تلك، بل غالباً ما كانت المقولات والمواقف التي تصدر عن مختلف القوى السياسية والنقابات تظهر الواقع بأحسن حال وأن الطبقة العاملة حاصلة على حقوقها وإن كان بعضها منقوصاً، بينما واقع الحال يقول غير ذلك.
إن تقييم المرحلة السابقة في العمل النقابي والعمالي بإيجابياتها وسلبياتها أمر ضروري وهام من أجل صياغة رؤية جديدة على أساس الوقائع والمستجدات التي أفرزتها المرحلة، والأبرز فيها ترافق وتوازي الضغوط الخارجية مع الهجوم الداخلي على القطاع العام وحقوق العمال ومكتسباتهم، فهذا يستدعي التوجه إلى الطبقة العاملة السورية واستنهاض قواها لأنها صاحبة المصلحة الحقيقية في معركة الدفاع عن الاقتصاد الوطني وتخليصه من كل أشكال النهب وإصلاحه بشكل يلبي متطلبات المعركة الشاملة التي يخوضها شعبنا.
إن قوى السوق الكبرى قد شرعنت حريتها وحرية تحرك رأسمالها، ولن تبقى الطبقة العاملة مقيدة ومؤطرة حركتها بمقولات قد تجاوزها الزمن، فهل تبادر الحركة النقابية إلى الهجوم بدلاً من الدفاع ونحن على أبواب دورة انتخابية جديدة.