بصراحة المرأة العاملة.. وعيد المرأة

يحضرني، ونحن والعالم نعيش هذه الأيام احتفالات باهتة بعيد المرأة، نص للأديب المصري نجيب محفوظ من مجموعته القصصية (أولاد حارتنا)، كان وما يزال ضمن مقرر اللغة العربية للثالث الثانوي، وهو من النوع الذي يحفر في الذاكرة..

النص يرصد فيه «محفوظ» بدايات دخول المرأة (المدينية) في مصر، تحت ضغط الظروف المتغيرة، إلى ميادين العمل في المؤسسات والدوائر الحكومية والمصانع العامة والخاصة في الربع الأول من القرن العشرين، ويتذكر، وهو الذي كان صبياً يافعاً في تلك الأيام، كيف تعامل المجتمع في مدينة كالقاهرة مع هذا الانعطاف الاقتصادي - الاجتماعي بقسوة شديدة ورفض مدعم بحجج عرفية ودينية وأخلاقية، موجهاًً للنساء اللواتي سمحن لأنفسهن بمخالطة الرجال ولذويهن أبشع وأشنع الاتهامات، مجرداً إياهن وإياهم من كل قيم العفة والشرف والأخلاق..

والحقيقة أن ما حدث في مصر في هذا الإطار ورصده نجيب محفوظ بإحساس عال، لم يكن إلا نموذجاً مكثفاً لما حدث بفترات متقاربة في بقية البلدان العربية..

طبعاً، النساء في الأرياف على امتداد المنطقة لم يكنّ بعيدات عن هذه المعركة، فمشكلتهن التي لم تكن في العمل بحد ذاته بل بنوعه وحجمه ومردوده راحت تتفاقم، وبدا أن عملهن التاريخي المضني في الزراعة وتوابعها الذي لم ينقطع أبداً، لم يعد كافياً في ظل التغيرات الاقتصادية – الاجتماعية، وبالتالي حُكم عليهن أن يطرقن أبواب المدن ليؤدين أعمالاً تمتهن في غالبيتها الكثير من إنسانيتهن وكرامتهن منها على سبيل المثال: العمل كخادمات في منازل الكبراء والميسورين، ومنهن من دفعت بهن الفاقة الشديدة لأعمال ومهن أقسى وأسوأ..

كل ما تقدم حدث في منطقتنا منذ الربع الأول من القرن العشرين، وامتد حسب خصوصية كل بلد حتى الستينات من القرن ذاته..

أما الآن، ونحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، نجد أن الصورة، من حيث الشكل، قد اختلفت في كثير من جوانبها، إذ أصبح عمل المرأة كعرف - يرتكز أساساً على الضرورة والحاجة - مباحاً أخلاقياً وقيمياً، بل أضحى هذا العمل ميزة تزيد من وزنها الاجتماعي، وتفتح أمامها فرصاً واسعة نسبياً للاكتفاء وزيادة ومراكمة المعرفة والاندماج في المجتمع والزواج وحرية الاختيار.. إلخ، أما من حيث المضمون، فالصورة للأسف أكثر قتامة من جميع النواحي، فمع تراكم وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والقيمية في المجتمعات العربية المحكومة بالفقر والتخلف والتبعية والتسلط السياسي والفكري والقيمي، أصبح الضغط على المرأة العاملة أشد وطأة، وبات عليها أن تقوم بمهامها الاقتصادية – المالية، وهي على هذا الصعيد قد تضطر للعمل ساعات طويلة وفي مجالات مجهدة وشاقة، بالإضافة إلى مهامها (التاريخية) في التدبير المنزلي والتربية ورعاية الزوج وخدمته.. والمريع في الأمر، أنه وبغض نظر المجتمع الذكوري المكرس رأسمالياً بقوة، عن كل ما تقدمه من عطاء، فعلى المرأة، حتى وإن كانت المنتِج الأساسي أن ترضخ لإرادة الولي سواء أكان زوجاً أو أباً أو أخاً، وأن تلتزم بما تمليه عليها الأعراف المجتمعية في كل ما تفعله أو تفكر فيه!

لقد بات مطلوباً وبصورة ملحة من هذه المجتمعات، مجتمعاتنا، ومن الجهات التشريعية والتنفيذية فيها، ومن المؤسسات والقوى السياسية والأحزاب والنقابات، أن تعترف بدور المرأة الاقتصادي والاجتماعي والفكري والإنساني، وأن تنتصر لها، وألا تقف عائقاً في وجه تطورها ونيل حقوقها، فهي وكما يتشدق دائماً معظم من يدعي حرصه على المرأة: نصف المجتمع.. فكيف نحقق التنمية الشاملة، وكيف نواجه أعداءنا المتربصين بنا، وكيف نتجاوز مشكلاتنا التاريخية الفكرية والسياسية والاجتماعية، ونحن نحيّد ونهمّش نصف المجتمع؟؟

كفانا احتفالات مسطحة وعابرة.. ولنبدأ بالعمل..

■ جهاد أسعد محمد

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 13:02