المحاكم العمالية والالتفاف على حقوق العمال !!
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

المحاكم العمالية والالتفاف على حقوق العمال !!

الحق هو مصلحة مشروعة يحميها القانون، وتعتبر الحماية القانونية للحق عنصراً من عناصر تكوين الحق, وفي حالة وجود تجاوز على الحق  يضمن القانون لصاحب الحق الوسائل القانونية الكفيلة بدفع التعرض الصادر من الغير، وهي الدعوى أو الدفع أمام القضاء.

فالحق إذاً غير كافٍ، ويعد منقوصاً إذا لم تقرر الحماية اللازمة له عبر اللجوء إلى القضاء (تحريك الدعوى).

القانون 17 أساس المشكلة

المشرع في قانون العمل رقم 17 الذي ينظم العلاقة بين طرفي العملية الإنتاجية (العمال , أصحاب العمل)، والذي ينص على حقوق وواجبات كلّاً من الطرفين، نص أيضاً على مبدأ التقاضي لحماية هذه الحقوق عبر تشكيل ما يسمى بالمحاكم العمالية، التي من المفترض أن تؤمن للطرفين الحماية القضائية اللازمة لحقوقهم عند نشوب نزاع بينهم، ولكن أرباب العمل بالتأكيد لن يلجؤوا إليها لأن لهم الحق بتسريح العامل مباشرة  دون اللجوء إلى القضاء، أما العمال فلا يبق لهم سوى القضاء لحماية حقوقهم عند تعدي رب العمل عليها، وقد نصت المادة 205 على تشكيل هذه المحاكم كما يلي: 

تحدث في مركز كل محافظة بقرار من وزير العدل محكمة بداية مدنية مؤلفة من:

1 – قاض يسميه وزير العدل (رئيساً).

2 – ممثل عن التنظيم النقابي يسميه المكتب التنفيذي للاتحاد العام للنقابات العمال. 

3 – ممثل عن أصحاب العمل يسميه اتحاد غرف الصناعة أو التجارة. 

تعطيل المحاكم ضَيّع حقوق العمال

هذه المادة ظلت قرابة ثلاث سنوات معطلة وغير مفعلة، بسبب عدم وجود نص تنفيذي يحدد عمل وطريقة انعقاد هذه المحاكم، وقد وصل عدد القضايا المتراكمة أمام هذه المحاكم إلى عشرات الآلاف من القضايا،  وتتحدث وزارة العمل عن 6000 قضية فقط معتبرة أن الأرقام مبالغ فيها, مع العلم أنه تم تسريح حوالي 170 ألف عامل (وفق إحصائيات مؤسسة التأمينات الاجتماعية) لغاية صدور قرار مجلس القضاء الأعلى القاضي بتفعيل عمل هذه المحاكم عام 2013، أي لم تصدر التعليمات التنفيذية لهذه المحاكم إلا بعد صدور قانون العمل بثلاث سنوات !! وظلت المحاكم العمالية غير فعالة بتاتاً طوال هذه الفترة، لأن ليس لها تعليمات تنظم عملها في القانون المدني السوري أو في قانون أصول المحاكمات المدنية، وهذا ما فاقم المشكلة أكثر, خصوصاً مع إعطاء قانون العمل لرب العمل حق التسريح التعسفي دون تبيان الأسباب، وفي ظل المحاكم العمالية المعطلة لم يكن في وسع  العامل اللجوء إليها لحل الخلاف بينه وبين رب العمل أو المطالبة بحقه بالتعويض كما ينص القانون.

مماطلة

 وتعطيل للجلسات!

كان تبرير التأخر في تفعيل المحاكم العمالية هو عدم التزام مندوبي منظمات العمل والعمال بحضور جلسات المحاكم، كما ادعت وزارة العمل،  ولكن كان الأبرز دائماً هو غياب مندوب أصحاب العمل عن حضور الجلسات، مما جمّد عمل المحاكم، ولم تستطع الحكومة إلى الآن إصدار أي نص قانوني يلزم أصحاب العمل بحضور جلسات المحكمة.

كان من الأفضل، ومن مصلحة العمال، الإبقاء على انعقاد الاختصاص للقضاء العادي بالنظر في القضايا العمالية، كما كان معمولاً به في القانون السابق، حيث كانت محاكم الصلح المدنية هي المختصة بالنظر بالدعوى العمالية وذلك وفقاً للاختصاص المحلي لهذه المحاكم وذلك لعدة أسباب أهمها: 

انتشار محاكم الصلح في مناطق سورية جميعها، حيث كان بوسع العامل إقامة دعواه أمام محكمة الصلح التي تقع في مركز إقامته ومركز عمله,  وحسب القانون رقم 17 أصبح العامل لا يستطيع مخاصمة رب العمل إلا أمام المحكمة المختصة، ولم يعد بإمكانه مخاصمة رب العمل في محل إقامته أو في محل مركز العمل، ولا بد له من السفر إلى مركز المحافظة لرفع دعواه والمطالبة بحقوقه، وذلك وفقاً لما جاء في المادة 205 من القانون.

وفي هذا تعقيد على العمال وزيادة في النفقات، حيث سيتحمل العامل مصاريف الانتقال والسفر إلى مركز المحافظة لرفع الدعوى على رب العمل.

التداعي أمام محاكم الصلح لا يحتاج إلى توكيل محامي، عكس التداعي أمام محاكم البداية الذي يحتاج إلى توكيل، وهذا عبء مالي كبير على العامل لا يستطيع تحمله في أغلب الأحيان.

اليوم ورغم مرور ثلاث سنوات على تفعيل المحاكم العمالية، إلا أن تشكيلها  الخاص والتعقيد المحيط بها أفشلها, وأفشل الغاية من وراء إنشائها, لذلك يعزف أكثرية العمال عن مراجعة القضاء لمخاصمة أرباب عملهم, وقد أضحت هذه المحاكم شكلية لا قيمة لها ومضيعة للوقت، بل ولحقوق العمال المقررة في قانون العمل، والتي بقيت حبراً على ورق,.

على ما يبدو أن هدف واضع القانون؛ هو تجريد العمال وحرمانهم من حقهم الدستوري في اللجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم ومنع رب العمل من التعدي عليها، مغلباً مصلحة أرباب العمل على مصلحة العمال.