بصراحة خصخصة بالتدريج
في إحدى بلدان العالم الثالث المبتلاة بالديمقراطية المقننة، كانت توجد مؤسسة إنتاجية تابعة للقطاع العام، مشهورة بجودة إنتاجها وسمعتها الطيبة برفدها خزينة الدولة بمبالغ طائلة من الأموال، بفضل نزاهة مديرها العام، ونظافة يد عمالها وموظفيها، وحبهم للعمل والوطن والحرص على المال العام وسلامة المنشأة التي يعملون بها.
لكن أحد كبار المتنفذين تمكن من إقالة المدير واستبداله بمهندس من أقاربه ذي اختصاص لا يمت بصلة إلى منتجات المؤسسة وطبيعة عملها.
في السنة الأولى تراجعت جودة الإنتاج وكميته وأرباح الشركة. في السنة الثالثة تدنت أرباحها إلى نصف مستوياتها السابقة. وفي السنة السادسة صفّرت الأرباح تماماً، وبعدها عجزت عن دفع رواتب عمالها وموظفيها، وحملت ديوناً تراكمت عليها وراحت تثقل كاهلها وكاهل الاقتصاد الوطني.
علماً أن المدير العام الجديد، كان رجلاً تقياً ورعاً، لا يفوته فرض من فروض العبادة، الأمر الذي دفع حاشيته من دائرتي المالية والمشتريات، وبعض المستزلمين والمستفيدين، أن ينسجوا حوله هالة من القدسية، ويشيعوا بأن الله قد كافأه على قدر إيمانه، فأصبح في فترة إدارته العامة الوجيزة من أصحاب القصور والخدم والحشم والمشاريع الاستثمارية والوكالات الأجنبية و... وكافأ المتعاونين معه أيضاً لأنه لا ينسى زبانيته المخلصين.
طار صواب بعض المسؤولين لهذا التغير الفاجع في وضع الشركة، من رابحة لمئات الملايين، إلى خاسرة ومخسرة لمئات الملايين، وقرروا تشكيل لجنة تحقيق بالأمر. فحصل كل عضو منها من المدير العام للشركة، على سيارة حديثة مع بطاقات بنزينها ومصاريف صاحبها لمدة شهر، فراح يجوب المتنزهات والمصايف والبارات الليلية.. وفي آخر الشهر وقعوا على تقرير الإدارة الذي حصر أسباب تدهور الشركة في الحارس الذي سرق تنكة مازوت في ليلة قارسة البرودة ليدفئ أولاده، وفي عامل البوفيه الذي سرق كيلو سكر وربع كيلو شاي وسلما للقضاء لينالا قصاصاً عادلاً، بسبب سرقتهما القطاع العام، وتخريبهما اقتصاد البلاد الوطني.
وهكذا دخلت هذه المؤسسة في سجل الشركات الخاسرة المعروضة للخصخصة، واشتراها المدير العام والمتنفذ الذي يقف وراءه، وأصبح كلاهما من رجالات المال والاقتصاد الصناعي المشهورين في البلد...
■ ع. ي. عابد