من أجل توطيد وحدة الحركة النقابية السورية
نقلت بعض وسائل الإعلام مؤخراً خبر تشكيل ما يسمى «الإتحاد العمالي المستقل في سورية»، لينضم هذا الوليد المشوّه إلى أقرانه في بعض الدول العربية وغير العربية، والتي ساهم في تشكيلها ورعايتها وتوجيهها عتاة الإمبريالية في العالم، وفي مقدمتهم صقور البيت الأبيض ومنظروهم الذين ما انفكوا يحاولون شقّ القوى والأحزاب وحركات التحرر العالمية، وفي مقدمتها الحركة العمالية العالمية..
ولأن الموضوع في غاية الخطورة، ولأن «قاسيون» كانت وما تزال السباقة في التصدي لجميع المشاريع المشبوهة التي تحاك ضد الوطن وقواه الحية، قررت فتح هذا الملف الخطير، والشروع بحشد القوى كافة لمجابهة كل الساعين لشق الحركة النقابية والعمالية في سورية، وعلى هذا الأساس التقت بمجموعة من النقابيين الذين أدلوا بدلوهم في هذه المسألة، وكانت اللقاءات التالية:
شيخ النقابيين ابراهيم بكري لـ«قاسيون»:
هفوات الحركة النقابية تعالج من داخلها وليس من خارجها
شيخ النقابيين الرفيق إبراهيم بكري أكد لقاسيون أنه: «ليس لأحد الحق في إلغاء بعض المراسيم والقوانين التي صدرت لصالح الشعب وطبقته الكادحة عمالاً وفلاحين، وخاصة قانوني التأميم والإصلاح الزراعي اللذين أعادا الثروة لمستحقيها ومنتجيها الفعليين، فالإصلاح الزراعي قطع الطريق على الإقطاعيين الذين كانوا سنداً للرجعية والاستعمار الفرنسي، لذا فإن وصف هذه القوانين بالفاشية غير صحيح، فقد كانت تعبيرا عن مرحلة نضالية شاقة قُدّمت فيها أثمن التضحيات.
إن البعض مازال متأثراً بالرجعية ويحاول إعادتها، ولو فكرياً، وإن الذين دعوا إلى تشكيل اتحاد نقابات مستقل لا يملكون أية قوة أو نصير، وهم على ما يبدو مستقوون بصلات خارجية معادية ورجعية.
واعتماداً على المبادئ التي ذكروها في بيانهم، فإننا نعلن بصراحة عدم موافقتنا على ما يطرحون، بل حتى عدائنا له، لأن هناك حركة نقابية قوية ومتينة في العالم يمكننا التعاون والنضال معها في ميادين عدة ومختلفة دون أية معونة أو رعاية أو احتضان من الخارج الذي قصدوه، وبالأخص الدول الرأسمالية، والقوى المعارضة المشبوهة في الخارج مثل الأخوان المسلمين وغيرهم.. ونحن هنا، قلباً وقالباً، لسنا مع شق الحركة النقابية في سورية، بل نحن ننادي بكل قوانا، ونسعى بكل إرادتنا لوحدة الحركة النقابية، ونؤكد مطالبتنا للدولة بأخذ مواقف إيجابية تماماً من الطبقة العاملة تلبي وحدتها ووحدة تنظيمها النقابي وإعطائها الحرية الكاملة في العمل بوصفها كانت وستبقى حركة تقدمية على مر التاريخ، وإذا وجدت أخطاء أو هفوات هنا وهناك في الحركة النقابية، يجب أن تعالج من داخل الحركة وليس من خارجها، وليس بالاعتماد على الخارج الذي أصبح ينتظر أية فرصة للانقضاض على وطننا وثمرات نضالنا النقابي.
■■
إبراهيم اللوزة:
«الاتحاد المستقل» مؤامرة من جملة المؤامرات
في اتصال مع الرفيق النقابي إبراهيم اللوزة، حول عدم شرعية الإعلان عن تأسيس الاتحاد العمالي المستقل، كان لنا الحديث التالي:
• ما رأيك بإعلان الاتحاد العمالي المستقل، وما رأيكم بأبعاده النقابية والسياسية؟
ـ الطبقة العاملة السورية ناضلت من أجل الوحدة، وتوحدت الحركة النقابية حيث كان هناك اتحادان: الاتحاد التقدمي والاتحاد العام. وبعد هذه الخطوة سعينا بكل الاجتماعات لأن تكون مطالبنا موحدة، ووصلنا لبعض الحقوق والضمانات، خاصة في قضايا التسريح والصحة وعدد ساعات العمل والتأمينات الاجتماعية، وإلغاء سقوف المتقاعدين، والرعاية الصحية، ونحن ضد أية فكرة لتأسيس اتحادات أو نقابات، خارج الإطار العام للحركة العمالية لأن هذا موضوع خطير على وحدة الطبقة العاملة، التي ترفض الأفكار التي يطرحها غرباء عن الطبقة العاملة.
• لماذا أعلن عن تأسيس هكذا اتحاد، في هذا الظرف وهذا الوقت بالذات؟
ـ الإعلان في هذا الوقت وهذا الظرف هو خطوة من جملة المؤامرات على سورية ووحدتها، ووحدة طبقتها العاملة، من هنا ندعو الاتحاد العام لنقابات العمال، أن يولي اهتماماً أكثر لعمال القطاع الخاص وحقوقهم، والمحافظة على القطاع العام ورفض أية خصخصة أو تأجير، أو طرح للاستثمار، وكل ما يمس بالأسس العامة لمصالح القطاع العام.
و رئيس الجمهورية أكد على هذه القضايا وشجع على توسيع مبدأ القيادة الجماعية، ونشرِ الوعي بين العمال، ومراقبة مواضع الخلل ومحاربة الفساد، وأكد على دعم الاتحاد العام لنقابات العمال للقيام بدوره لانتخاب مجالس الإدارات ورؤسائها وتطوير الخدمات الاجتماعية التي تقدََّم للعمال وعائلاتهم، والاهتمام بالاستثمارات العمالية بالمحافظات، وتفعيل دور لجان الرقابة والتفتيش بكل المستويات النقابية، ليقف ضد أية فكرة ينادي بها المغرضون والساعون لتفتيت وتقسيم الطبقة العاملة، إن قضية الوحدة عندنا هي قضية أساسية.
• في هذا الإعلان يوجهون نداء للعالم الحر، والشخصيات المعارضة بالخارج لدعمهم، ما رأيكم بهذا الشكل الخطير من التحالف مع الخارج؟!
ـ بما أنهم يوضحون موقفهم وتآمرهم مع قوى الخارج، فالطبقة العاملة ستستنكر وتشجب هذه التوجهات، لأن طبقتنا العاملة مرتبطة تاريخياً بالموقف الوطني والدفاع عن حقوق العمال، وعن القضايا الوطنية التي توليها الأهمية قبل رغيف الخبز. ومع استنكارنا للتوجهات المغرضة، ندعو الاتحاد العام لنقابات العمال للقيام بالمهام المنوطة به، ويعمل حسب الأسس والنظام الأساسي، وحسب المرسوم 84 للدفاع عن حقوق العمال وقضاياهم، والقضية الأساسية هي مكتسبات القطاع العام، ومكملتها حقوق القطاع الخاص، والظلم الواقع عليهم من أرباب العمل، إنهم محرومون من جميع الحقوق، كالتأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية، وتحديد ساعات العمل، لقطع الطريق أمام كل الانتهازيين الذين يسعون لشق الحركة النقابية في القطر.
• ما المفروض في هذه المرحلة الصعبة لكي نقطع الطريق على هؤلاء، الذين يصطادون في الماء العكر؟! وما هو النداء الذي نوجهه لطبقتنا العاملة؟!
ـ علينا أن نعمل بجد وإخلاص لتأمين حقوق العمال، وتقديم الخدمات الاجتماعية الواسعة، والدفاع عن القطاع العام، وإيقاف مهزلة تعديل قانون العمل الذي يسمح لأرباب العمل بتسريح العمال، حسب قانون «العقد شريعة المتقاعدين»، فالحكومة وقوانينها هي المسؤولة عن التحريض الذي يتعرض له العمال، وقد ينتج عنه حركة عفوية غير مدروسة للدفاع عن الحقوق والمكتسبات.
أما بالنسبة لتأجير المرافئ فهو عمل شنيع من الفريق الاقتصادي، ويجب عليهم دراسة هذا المشروع دراسة جدية حقيقية قبل تنفيذه، فعمال المرفأ يقومون بعملهم بكفاءات عالية نادرة، وعلى الحكومة التراجع عن مشاريع التأجير والاستثمار، وخاصة في هذا الظرف السياسي الضاغط على سورية من كل الاتجاهات، فالمرافئ هي حدود بحرية وتشكل سيادة وطنية ولا يجوز تأجيرها لأي كان، وإن كان هناك خلل بالإدارة، كما يدعون، فليغيروا الإدارة الحالية بكفاءات وطنية، ولدينا هذه الكفاءات، والدليل هو الحركة الدائبة في المرفأ التي تستقبل سنوياً 550000 حاوية، وتحول إلى خزينة الدولة مليارات من الليرات السورية.
■■
إنعام المصري:
إلى المزيد من التلاحم النقابي والعمالي
الرفيقة إنعام المصري، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد دمشق، قالت: إن إصدار بيان وإعلان الاتحاد العمالي المستقل في هذا الوقت، يأتي في نفس المسار الذي تُستهدَف فيه سورية ومواقفها الوطنية المشرفة، لأن الحصار الاقتصادي والسياسي لم يعط نتائجه مباشرة، والفريق الاقتصادي أصبح يلاقي مقاومة في الداخل، وخاصة من الاتحاد العام لنقابات العمال، والخط الوطني عموماً، إن المؤتمرات النقابية، وحتى المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد، كانت ضد فكرة بيع القطاع العام أو خصخصته، بل دعت إلى إصلاح القطاع العام، وخاصة الصناعي، باعتباره الوعاء الرئيسي الذي يشمل الطبقة العاملة السورية، ويعطي من خلاله ضمانات كثيرة من قبل الدولة غير موجودة في القطاع الخاص، وبالتالي فإن المجتمعين والمتفقين حول قيام اتحاد عمالي مستقل، لن يجدوا مساندة من الداخل في المدى المنظور، فالشعب السوري شعب واعٍ ولن تمر عليه هكذا مخططات من قوى رجعية ورأسمالية، ونحن لدينا منابرنا في الداخل نتكلم من خلالها، ونعرف أوجاعنا وآلامنا، ونعرف مع من نتحالف، وما هي المشاكل التي تعانيها طبقتنا العاملة، ويبقى أن نقول إن مجرد التوجه نحو الخارج، لهو أكبر دليل على أن هؤلاء الناس غير وطنيين، ولا يعملون لمصلحة الشعب، وهم مرفوضون شكلاً ومضموناً. نحن لدينا إمكانية ومقومات الإصلاح والعمل والمشاركة بالقرارات الحاسمة، وفي هذا المجال يجب على الحركة النقابية التوجه بشكل مستمر للقواعد العمالية، والضغط على الحكومة من أجل الحصول على حق المشاركة في الخطط الاستثمارية، والمشاركة الفعالة في توجيهات الحكومة، وبالتالي كلما كان التلاحم النقابي أكبر وأوسع، كنا أكثر قدرة على اتخاذ القرارات السليمة، لصالح الطبقة العاملة والوطن معاً...
■■
عادل اللحام:
قطع الطريق على المنظمات المشبوهة يبدأ بإنصاف العمال
وتحدث الرفيق النقابي الشيوعي عادل اللحام حول الموضوع فقال:
إن البيان الذي أصدره ما يسمى الاتحاد العمال المستقل يتضمن ثلاثة محاور، الأول: كان هجوماً واضحاً على قرارات التأميم والإصلاح الزراعي، واعتبارها قرارات فاشية تمس الملكية العامة والخاصة، وبهذا الصدد لا يمكن أن يكون الاتحاد عمالياً، ويقوم بالوقت نفسه بمهاجمة قرارات وزعت الأراضي على الفلاحين، وجعلتهم ملاكين حقيقيين، وأممت المعامل واستعادتها من أيدي القوى الرأسمالية، بحيث أصبحت ملكاً للشعب، وقاعدة متينة للقطاع العام الذي لعب لاحقاً دوراً مهماً في استقلالية القرار الاقتصادي والسياسي الوطني، بالإضافة إلى دوره الاجتماعي الذي أمن تشغيل أعداد كبيرة من الأيدي العاملة السورية، وأكسبها المهارة المطلوبة، ليتوسع القطاع العام لاحقاً بمختلف الاتجاهات.
المحور الثاني: طرح البيان مجموعة من القضايا العمالية المطلبية التي طرحتها النقابات في مؤتمراتها السنوية الدورية، وما فتئت تطالب بتحقيقها، ولم يضف على ذلك شيئاً..
والحقيقة، إن تحقيق هذه المطالب بأسرع وقت ممكن هو قضية وطنية وطبقية بامتياز، ويحتاج إلى علاقة وثيقة بين الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية، مما يعني تعزيز وحدة الحركة النقابية بمواجهة الدعوات الانشقاقية.
إن الطبقة العاملة السورية لعبت تاريخياً دوراً وطنياً مشرفاً، وكانت طوال الوقت تقدم قضايا الوطن على قضاياها الخاصة، وتحديداً في اللحظات التي كان الوطن يحتاج فيها إلى تلك التضحية، ولا يمكن لهذه الطبقة أن تكون إلا كما كانت، ولن تستجيب لكل الدعوات الانشقاقية، لأنها تعي في النتيجة أنها ضد مصالحها، وأنها حكماً متعارضة مع المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية.
المحور الثالث: وهو توجه الاتحاد المستقل بطلب الدعم من الخارج (العالم الحر)، ومن (الشخصيات الوطنية المعارضة)، وهذا يعني استكمال بناء الحلقات المختلفة للمشروع الأمريكي داخلياً، والاستفادة من الهجوم الجاري الآن على الطبقة العاملة والقطاع العام.
والخلاصة، فإن المطلوب من النقابات من أجل قطع الطريق على هذه الدعوات الانشقاقية، تعزيز العلاقة مع الطبقة العاملة من حيث توسيع هامش حريتها في التعبير عن مصالحها، وخلق الإمكانية لها للدفاع عن هذه المصالح بشتى الأشكال التي أباحها الدستور السوري، واتفاقيات العمل العربية والدولية، وخصوصاً حق الإضراب في مواجهة أرباب العمل، والعمل الجاد والمتواصل من أجل تحسين ظروف العمال سواء من حيث الأجور أو من حيث الضمانات المختلفة.