المؤتمر الخامس والعشرون لنقابات العمال المطالب العمالية بين الطموح.. والمسموح
كثيرة هي القضايا العمالية والاقتصادية المطلوب معالجتها وتقديم الحلول العملية لها في المؤتمر الـ(25)، والتي من المفروض أن تخضع للطرح والنقاش، ولاتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيقها، باعتبارها تلبي مصالح الطبقة العاملة، والمصلحة الوطنية العامة. واتخاذ القرار بهذا الشأن مهم جداً، ولكن الأهم هو إيجاد الآلية والأدوات الضرورية لتنفيذ ما اتُّخذ من قرارات، خاصةً وإن الحركة النقابية عبر مؤتمراتها المختلفة خلال الدورة الـ(24)، قد طرحت تلك القضايا بقوة، وبحضور الفريق الحكومي والحزبي المعني، ولكن دون أن تجد طريقها للإنجاز، وكان لسان حال المعنيين الحكوميين يقول: «قولوا ماتشاؤون، ونحن نفعل ما نشاء».
ليس هذا فحسب، بل زيادةً على مبرراتها في عدم التنفيذ، اتخذت خطوات إضافية في سلب الطبقة العاملة جزءاً هاماً من حقوقها التي أقرتها القوانين والتشريعات، من خلال التعليمات التنفيذية التي تصدرها رئاسة الوزراء، والتي تحتاج إلى مراسيم وتشريعات إضافية لتفسرها، مما يعني ضياع حقوق كثيرة على الطبقة العاملة، ويذهب الجهد الذي يبذله النقابيون سدىً، من حيث الطرح والنقاش بالمؤتمرات، وهذا ينعكس سلباً على علاقة الحركة النقابية والطبقة العاملة، من حيث انعدام الثقة بالنقابات، وإمكانيتها في الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم، وكأن هذا ما تسعى إليه أطراف عدة في الحكومة وخارجها، لأن قوة العلاقة بين الحركة النقابية والطبقة العاملة، وازدياد الثقة، تعني مزيداً من القوة للحركة النقابية، في مواجهة الحكومة ومشاريع قوانينها التي تصدرها يومياً تحت حجة التطوير والتحديث وإعادة الهيكلة والانفتاح وتحرير الأسواق والأسعار، وغيرها من المسميات التي يتفتق عنها ذهن الجهابذة الاقتصاديين والحقوقيين الحكوميين، والتي في جوهرها، تحميل الطبقة العاملة مسؤولية ما آل إليه القطاع العام والخسائر وسوء الإنتاج..... إلخ.
الآليات القديمة لن تحقق التقدم المنشود!!
إن الأهمية الكبرى، أن يجري التركيز في المؤتمر الحالي للحركة النقابية لإيجاد الصيغ والآليات، التي تمكن الحركة النقابية من الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص، خاصةً وأن الكثير من الظروف التي كانت تجد فيها الحركة النقابية تبريراً لنفسها بعدم اتخاذ المواقف الحاسمة قد تغيرت أو تبدلت، والأهم في ذلك أن الكثير من الشعارات التي كانت تحكم موقف الحركة النقابية، في مراحل سابقة مثل «لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية»، و«الدفاع عن المنجزات الاشتراكية والتوجه الاشتراكي»، و«نحن والحكومة في فريق عمل واحد»، و«النقابية السياسية بديلٌ عن النقابية المطلبية»، التي كما نعتقد أنها كانت تمثل سابقاً، ومازالت، جذر الموقف النقابي في مواجهة السياسات الحكومية للحكومات المتعاقبة، فيما يتعلق بحقوق العمال ومكاسبهم، وبالأخص الأجور، واستخدام الأشكال والأساليب التي نصت عليها اتفاقيات العمل، والتي وقعت عليها سورية، والاتحاد العام يدرسها في معاهده النقابية.
تبدل الظروف والشعارات يعني تبدل أساليب العمل..
من خلال استعراض سريع لتقارير المؤتمرات النقابية، كما هي موثقة في الكتاب الذي أصدره الاتحاد العام، وكذلك بما صدر من كتب أخرى توثق لتاريخ الحركة النقابية والعمالية، ونضالاتها في سورية، نجد أن الناظم الأساسي لمواقف الحركة العمالية والنقابية السورية حتى بداية الستينات من أجل حقها بالتنظيم المستقل، وفي تثبيت حقها بقانون عمل، هو المواجهة من خلال حركة إضرابية واسعة، قامت بها الطبقة العاملة السورية، ولعبت الدور الأساسي في تثبيت ما ذكرنا، وفي إجبار أرباب العمل والحكومات على الاعتراف بوجود الحركة النقابية الناشئة، كحركة تمثل مصالح الطبقة العاملة الفتية. وما كانت الطبقة العاملة وحركتها النقابية لتثبت هذا الحق لولا روحها الكفاحية العالية والتضحيات الجسام التي تقدمها من أجل ذلك، واستناداً إلى وعي متقدم لدى طلائعها، من القوى السياسية الفاعلة، في قيادة حركتها وتسليحها بالمواقف والشعارات الصحيحة، المعبرة عن مصالح العمال، وبالتالي قناعة الطبقة العاملة بجدوى النضال والتضحيات المقدمة من أجلهم ومن أجل مستقبل أطفالهم، وبالوقت نفسه، فإن الطبقة العاملة لم تغض الطرف أبداً عن الوطن وضرورة الدفاع عنه، وحمايته من الاستعمار الفرنسي أولاً، ومن عملائه لاحقاً، وإن هذا الموقف الوطني الأصيل، والمتجذر لم تستطع تلك القوى «البرجوازية» أن تجيّره لصالحها، بالرغم من المحاولات الكثيرة التي قامت بها لشق الحركة النقابية وإضعافها تنظيمياً، لعلمها المسبق أن عملية الإضعاف هذه، هي التي ستمكنهم من تحقيق برنامجهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
أما بعد الـ1963 فقد جاءت مرحلة أخرى، سياسية واقتصادية، وبشعارات جديدة، عكست نفسها في المؤتمرات التي عقدت، وكان أهمها عمليات التأميم الواسعة والإصلاح الزراعي. مما أدى إلى نشوء قطاع عام واسع، وترافق هذا أيضاً مع صدور حزمة من التشريعات والقوانين التي ثبتت حقوق الطبقة العاملة في تلك المرحلة، وانعكست على الحركة النقابية بمهام جديدة ومختلفة، أهمها الدفاع عن المعامل والشركات المؤممة، والدفاع عن المكتسبات على أساس التوجهات «الاشتراكية» التي طرحت، مما يعني تخلي الحركة النقابية عن أسلوب عملها التصادمي الذي كان سائداً، والتحول إلى شكل جديد بطريقة المطالبة والدفاع عن حقوق العمال، متناسب مع المستجدات التي طرأت، حيث اعتبرت الحركة النقابية نفسها متوافقة مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاصلة، مما يعني أن طرق وأشكال النضال النقابي والعمالي قد تبدلت، وأخذت منحى جديداً متوافقاً مع ما حصل، خاصةً مع بداية انعقاد المؤتمر السادس عشر، الذي جرى فيه طرح شعار «النقابية السياسية»، حيث جاء في مقدمة تقرير المؤتمر السابع عشر: «تكريسُ النقابية السياسية بديلاً عن النضال المطلبي، أساسُ وحدة الطبقة العاملة ودعامة التحرير».
إن هذا يعني ثقافة جديدة في أساليب العمل النقابي التي ستتبع لاحقاً، والتي سيكون عمادها المطالبة بالحقوق والدفاع عن المكتسبات، من خلال الحوار مع الحكومات والجهات الوصائية، استناداً إلى المعطيات الجديدة التي أتاحت لكوادر الحركة النقابية التواجد في كل مواقع الإدارات والعمل، وهذا يتيح المطالبة المباشرة وعبر المراسلات و الكتب واللجان التي تشكل، ولم يعد هناك بدائل أخرى تستخدمها الحركة النقابية للدفاع عن حقوق العمال طالما هي متوافقة سياسياً وفكرياً واقتصادياً، مع الجهات المسؤولة عن إصدار ما يلزم قانونياً من حقوق للعمال، وبالتحديد مع الحكومات، باعتبارها شريكاً للحركة النقابية، حيث أصبح لهذه الشراكة مفاعيل ليست في صالح الطبقة العاملة، وخاصةًً في المراحل الحالية، أي من بداية الدورة (25،24،23) من حيث الأجور والأسعار، وخسائر القطاع العام، وأخيراً رفع الدعم، وهي نقاط الصدام الأساسية بين كوادر الحركة النقابية والحكومات المتعاقبة، بالإضافة إلى قضايا أخرى، مثل طبيعة العمل، بدل اللباس، الوجبة الوقائية، العمال المؤقتين، الحوافز الإنتاجية، الضمان الصحي، عمال القطاع الخاص، تعديل قانون العمل91 لعام1959، والتأمينات الاجتماعية وغيرها...
إن تدوير المطالب العمالية من مؤتمر لآخر، يعني عدم القدرة على تحقيقها بالوسائل السابقة والمواقف السابقة رغم الرغبة المتوفرة لذلك، ويمكن أن نستعرض بعض القضايا الهامة التي طرحت كثيراً في المؤتمرات، والمداخلات النقابية، ولم تجد لها طريقاً للتحقيق، منها ما يتعلق بالحركة النقابية وآليات عملها، ومنها ما له علاقة بالسياسات الاقتصادية.
أولاً: الأجور..
قضية الأجور كانت تأخذ حيزاً واسعاً من النقاش في المؤتمرات النقابية، وخاصةً لارتباطها بغلاء الأسعار، وبالتالي، انعكاس ذلك على مستوى معيشة الطبقة العاملة، حيث جاء في المؤتمر الـ (18) المنعقد عام1974: «إن الحد الأدنى للأجور يجب أن يحدد على أساس تكاليف المعيشة، ولأوضاع المهنة والواقع الاقتصادي»، وأضاف: «إن سياسة تحديد الأجور يجب أن يحكمها عاملان:
1ـ ربط الأجور بالإنتاج، ليصبح حافزاً، ومشجعاً في زيادة الإنتاج، وتحسينه وتطويره.
2ـ اعتماد مبدأ السُلّم المتحرك، بحيث تُعدَّل الأجور سنوياً، مع ارتفاع الأسعار، وبشكل خاص لكي تحافظ على الخبرات الوطنية داخل القطر، مع ربط ذلك بخطة التنمية وحجم الاستثمار».
ومن الاقتراحات التي طرحها المؤتمر العشرون حول الأجور: «إعادة النظر بنظام الأجور المعمول فيه في القانون الأساسي للعاملين في الدولة، واستبداله بنظام أجور متطور ومتحرك، يكون فيه مفهوم الأجر لقوة العمل متوازناً مع أعباء ومسؤوليات ومخاطر وإجهادات ومهارات ضرورية للمركز الوظيفي الذي يؤديه العمال، وعلى أن يتضمن هذا الأجر الرابط الموضوعي بمؤشرات حالة القوة الشرائية والأسعار، وحالة التضخم بحيث يؤمن هذا الأجر للعامل الحد الأدنى الضروري اجتماعياً، لحياته وحياة أسرته».
أما في التقرير المقدم إلى المؤتمر الـ(25) فقد جاء حول الأجور، في الصفحة 200: «أما موضوع الأجور، فرغم الزيادات والمنح التي تكرم بها رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد على العاملين بالدولة، إلا أن حالة الأسواق غير المستقرة، أدت إلى امتصاص هذه الزيادات، وبدون أية مبررات، سوى غياب الجهات الرقابية الحكومية، واعتماد السياسة التنافسية في العرض والطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة».
إن اقتصاد السوق الخاضع لسياسة العرض والطلب لا يعني عدم إشراف الحكومة والدولة عليه، ولا يصل إلى ما وصلنا إليه، من فقدان التوازن بين الأجور والأسعار، رغم الزيادات التي طرأت على الرواتب، التي تآكلت بفعل جنون الأسعار وعدم ضبطها، فبدراسة موضوعيه نجد أن معدل إعالة الأسرة المؤلفة من خمسة أشخاص،في سورية، تتطلب أجراً شهرياً لا يقل عن (18000) ألف ليرة سورية كمتوسط بدء التعيين.
أما بالنسبة لأجور القطاع الخاص فقد استعرض التقرير القرارات الصادرة من أجل زيادة أجور عمال القطاع الخاص، والتي لم يلتزم بها أرباب العمل، حيث قال التقرير: «رغم صدور هذه القرارات، إلا أن أرباب العمل وأصحاب فعاليات اقتصادية في القطاع الخاص، لم يتقيدوا بها، ولم يمنحوا العاملين لديهم الزيادات الواردة في قرارات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل....»
ثانياً: عمال القطاع الخاص
لا يخلو تقرير من التقارير المقدمة إلى المؤتمرات من ذكرٍ لعمال القطاع الخاص ومعاناتهم، ومعاناة الحركة النقابية بتنظيمهم في نقابات، وعدم النجاح بهذه المهمة، التي هي مؤشر هام على وحدة عمل الحركة العمالية والنقابية بإطار تنظيمي موحد، يقطع الطرق على كل الطروحات المبشرة بنشوء تنظيم نقابي مواز، لعمال القطاع الخاص، يدافع عن مصالحهم وحقوقهم، طالما أن الحركة النقابية الحالية لم تستطع تحقيق ذلك منذ عشرات السنين، وما تحقق لا يعكس الوزن الحقيقي لعمال القطاع الخاص في المواقع الإنتاجية التي بدأت تتسع وتتطور في المراكز الصناعية التي نشأت بفعل قانون الاستثمار رقم(10) وما بعده (8 و 9)، التي جعلت معظم العمال بهذه المواقع، خارج قوانين العمل السورية، وخارج المظلة التأمينية والنقابية، حيث طالبت الحركة النقابية منذ سنين، بضرورة إيجاد قانون مرافق لقوانين الاستثمار، يلزم تلك الشركات بتسجيل عمالهم بالتأمينات الاجتماعية والنقابات، ولكن ذهبت تلك الجهود أدراج الرياح، والحكومة تعاملت معها «أذن من طين وأذن من عجين»، وبقي العمال بين مطرقة أرباب العمل، وسندان وزارة الشؤون، ولم يحرَّك ساكنٌ من أجل حمايتهم، حيث يتعرض الكثير منهم للتسريح التعسفي وفقاً للاستقالة المسبقة التي يوقعها العامل مجبراً قبل البدء بعمله، والتي يستخدمها أرباب العمل متى شاؤوا ذلك، ضاربين بعرض الحائط بالمرسوم (49) الخاص بقضايا تسريح العمال، وأمام أعين النقابات، دون أن تتمكن من حمايتهم، وهناك الكثير من الشواهد على مثل هذه الحالات.
ثالثاً: العمال المؤقتون
حسب إحصائيات الاتحاد العام لنقابات العمال، يبلغ عدد العمال المؤقتين (48463) عاملاً في جهات القطاع العام كافة، حيث سعى الاتحاد العام مع الحكومة مراراً من أجل تثبيتهم موضحاً أن عملية التثبيت هذه لا تكلف أعباء مالية أضافية، باعتبار أن أجورهم ملحوظة في الميزانيات السنوية، ولكن الحكومة لا تريد إلزام نفسها قانونياً بتثبيتهم، حيث ستجد صعوبة في تسريحهم عند الضرورة، باعتبارها (أي الحكومة) تطرح دائماً أن هناك عمالة فائضة، تزيد التكاليف والأعباء المالية، وخاصة بالشركات الإنشائية، التي لا تجد ما تدفعه لعمالها كرواتب وأجور، بسبب الخسارات الكبيرة، والمنافسة الواسعة من القطاع الخاص، الذي سُمِح له بمنافسة الشركات الإنشائية العامة، في الحصول على المناقصات بالتراضي، والقطاع الخاص شاطر في كيفية الحصول على العديد من المناقصات.
من هنا فإن مقولة «عمالة فائضة» هي مقولة مغلوطة، هدفها التخلص من اليد العاملة إلى أبعد قدر ممكن، حيث تصدت الحركة النقابية لهذه الإجراءات، وطرحت بديلاً عنها،« توزيع ما يسمى بالعمالة الفائضة على مواقع أخرى في القطاع العام كالتعليم».
جاء في تقرير المؤتمر الـ (25): «نحن نرى بعد أن تم دمج الشركات الإنشائية وتوزيع فائض العمالة على الجهات العامة، أنه لا يجوز أن تطرح الحكومة أن لديها فائضاً باليد العاملة، حيث لا تزال تردنا كتب من الجهات العامة تريد منا التوسط ودعم موقفها لدى الحكومة، من أجل تعيين عمال جدد، وذلك لسد النقص الحاد في ملاكاتها العددية، والناتج عن عدم ملء الشواغر لديها، بناءً على توجيهات رئاسة مجلس الوزراء، التي أوقفت التعيين في هذه الجهات، ومنها: وزارة الاتصالات والتقانة والجهات التابعة لها، ووزارة الصناعة والجهات التابعة لها».
هنا نرى أن المنع يشمل المواقع التي تستخدم يداً عاملة مكثفة، حيث تحتاج المواقع إلى عمليات استثمار واسعة، تستطيع أن تشغل يداً عاملة إضافية، حيث يوجد نقص في اليد العاملة الإنتاجية، وخاصة في قطاع النسيج.
رابعاً: التأمينات الاجتماعية
تلعب التأمينات الاجتماعية دوراً مهماً في حياة العامل أثناء عمله أو بعده، «إحالة على المعاش، أو وفاة»، ومن هنا فإن الحركة العمالية، والحركة النقابية، لعبت دوراً مهماًَ في تثبيت مجموعة من الضمانات الاجتماعية التي توفر للعامل حداً أدنى من الحقوق الضرورية، أثناء عمله كضمان إصابات العمل والعلاج منها، وتقدم تلك الضمانات من مجموع الاشتراكات التي يدفعها العامل من أجره، ورب العمل من حصته، حيث يجري التداول اليوم من أجل تخفيض نسب الاشتراك هذه، تشجيعاً للقطاع الخاص لتسجيل عماله في التأمينات الاجتماعية، بحجة أن نسب الاشتراك الحالية كبيره وتكلف أرباب العمل الكثير، ولكن ما هو معلوم، أن كثيراً من الدول الرأسمالية تكون نسبة الاشتراكات عندها أعلى كثيراً مما هو عندنا، حيث تصل إلى 45% أو 50% من الأجر، من أجل تقديم الكثير من الخدمات والضمانات الاجتماعية للعمال.
جاء في التقرير الـ(25) صفحة 235: «.. في الوقت نفسه تتجه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتشكيل لجنة مهمتها وضع مشروع لتعديل قانون التأمينات الاجتماعية، و يخشى الاتحاد العام أن يكون الاتجاه منصبّاً في عمل هذه اللجنة، على التعديل باتجاه تخفيض رسوم الاشتراكات التأمينية.....».
خامساً: الدعم..
إن الحديث عن الدعم، وسياسة الحكومة وإجراءاتها، المنوي اتخاذها بهذا الخصوص، يكتسب أهمية كبيرة في هذا الوقت من حيث مواجهة تلك السياسات بشكل واضح وجلي وحازم، لارتباط ذلك بحياة الأكثرية الساحقة من أبناء شعبنا الفقراء، وخاصة الطبقة العاملة التي تكتوي أصلاً بنار الغلاء الفاحش، وتدنّي الأجور والخدمات، فكيف إذا رُفع الدعم عن أهم مادة حيوية: (المازوت) التي سيؤدي رفع الدعم عنها إلى موجات غلاء كبيرة، بالإضافة إلى الموجات السابقة، بسبب السياسات الحكومية التحريرية للأسواق والأسعار، وتنفيذاً لتوجيهات صندوق النقد الدولي.
إن موقف الحركة النقابية من قضية رفع الدعم يشكل الداعم الأساسي في حماية الفقراء من شعبنا، وذلك للموقع الهام الذي تحتله الحركة النقابية في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا يكتسب طرح الموضوع أمام المؤتمر، واتخاذ موقف حازم وواضح، أهمية خاصة ستؤدي إلى تعزيز الموقف الممانع، في مواجهة المشاريع الأمريكية والصهيونية وقوى السوق الكبرى، التي تسعى عبر برنامجها، إلى إخضاع وطننا وشعبنا لتلك المشاريع وتمريرها.
جاء في التقرير الـ (25) صفحة 226 حول سياسة الدعم السعري:
«تعتبر سياسة الدعم التي طبقت خلال المراحل السابقة، من السياسات الاقتصادية التي ساهمت في ترسيخ قيم العدالة في المجتمع السوري، وساهمت في تحسين المؤشرات الاقتصادية، ولاسيما النمو في القطاعات المنتجة المادية، الزراعية والصناعية، والاستهلاك والاستثمار، وقد تناسبت سياسة تقديم الدعم في المراحل السابقة مع طبيعة الاقتصاد «الاشتراكي» المخطط، وفي الوقت الراهن مازالت الحاجة ملحة لاستمرار الدولة في تقديم الدعم، وخاصة للمشتقات النفطية، وبعض مكونات السلة الغذائية، (الخبز، السكر، الرز) لاسيما وأن أهم مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي، تحقيق العدالة في التوزيع، والعمل بكفاءة اقتصادية في كل القطاعات، وهو الأمر الذي لا يتناقض مع أهداف سياسة تقديم الدعم».
ما نود أن نقوله أخيراً، فيما طرحنا لأبرز القضايا، التي تهم الطبقة العاملة السورية، في هذه المرحلة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا، التي من المؤكد أنها ستكون مثار بحث من الكوادر النقابية، حيث طرحت سابقاً في المؤتمرات والاجتماعات الموسعة، وبحضور الجهات الحكومية والحزبية، ومازالت تلك القضايا مطروحة وتستوجب النضال من أجلها، واتخاذ القرارات اللازمة، والوسائل الضرورية من أجل تطبيقها.
إن ما يمكن استنتاجه، وما تراكم من تجربة خلال فترة عمل الحركة النقابية في الدورة الـ (14)، وما قبلها من دورات، ومع اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية، وبروز المستجدات على تلك الصعد، إن مصالح الطبقة العاملة السورية، و الدفاع عنها، لا يمكن أن يتحقق عبر النيات الطيبة للحركة النقابية، وعبر الأشكال التي كانت، ومازالت، تمارسها وفقاً لمقولة: «نحن والحكومة فريق عمل واحد»، لأن الرأسمال أينما وجد، سواء كان بيد الحكومة أو أرباب العمل، لا يمكن أن يشكل فريق عمل واحد مع قوة العمل، لتناقض المصالح بينهما، ولاختلاف الأهداف التي يرمي كل طرف إلى تحقيقها، بوسائله الخاصة، وضمن موازين القوى التي تسمح بتحقيق تلك الأهداف، ومن هنا فإن الحركة النقابية مطالبة في مؤتمرها الـ (25) ووفقاً لما طرأ من مستجدات اقتصادية وسياسية، أن تعيد النظر في أساليب العمل وطرقه ووسائله، وفي الكثير من المقولات التي تجاوزتها المرحلة الحالية، وهذا لا يتناقض مع النظام السياسي، كونه نظاماً ممانعاً للمشاريع الأميركية الصهيونية، وبالتالي، فالنضال الحازم من أجل مصالح الطبقة العاملة، سيشكل دعماً حقيقياً له، وسيعزز من موقف الممانعة المطلوب دعمه وتطويره، ويعزز الوحدة الوطنية المطلوب تجذيرها، عبر تحقيق مصالح الطبقات الشعبية، ومنها الطبقة العاملة السورية، وإن ذلك يتطلب:
1 - توفر الإرادة الصلبة، والمستندة إلى قدرة الطبقة العاملة، وقوتها في الدفاع عن مصالحها.
2 - إعادة النظر في الكثير من آليات العمل وطرقه المتبعة حالياً، والتي أثبتت تجربة الحركة النقابية عدم جدوى الاعتماد عليها كلياً، في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة.
3 - توثيق العلاقة النضالية مع القواعد العمالية، وإعادة الثقة التي أصابها الكثير من الزعزعة، إلى ما كانت عليه في مراحل سابقة، حيث تمكنت الحركة النقابية من انتزاع حقوق الطبقة العاملة والدفاع عن مكاسبها.
4 - تعزيز استقلالية الحركة النقابية وتوجهها نحو النضال المطلبي الواسع.
5 - تبني حق الإضراب للطبقة العاملة، كونه السلاح الفعال، في النضال من أجل حقوق العمال ومكاسبهم.