يوسف البني يوسف البني

بصراحة الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي لإحداث التغيير

قد يبدو للوهلة الأولى أن الصراع الطبقي قد انتهى، أو أصبح شيئاً من الماضي، أو أنه أمر لا تجده إلا في النظريات الاشتراكية والماركسية، وأن الصراعات الحالية، هي مجرد تنازع على السلطة، بين دول أو مجموعات، أو صراعات طائفية وفئوية. وإذا كانت هذه تعبّر بشكل غير مباشر عن صراع طبقي، فإن هذا الأخير موجود بوضوح بشكله المباشر، وما يعبر عنه ويؤكد واقعيته التحركات العمالية المتزايدة.

الواقع أيضا أن الرأسمالية المسيطرة اليوم على عالمنا تعمل على تشويه الصراع الطبقي، وتغييبه عن الساحة السياسية، خوفا على مصالحها المتنامية على أنقاض الطبقة العاملة. ومن جهة أخرى فإن وسائل الإعلام تسهم بشكل مباشر في تغييب هذا الصراع والتعتيم عليه لأنها خاضعة لتلك الأنظمة.
انطلاقا من هذين الواقعين، كان لا بد من رصد ما يمكن رصده من تحركات عمالية في الفترة الأخيرة، للتأكيد على أن الصراع الطبقي واقع نعيشه ونحسه في حياتنا اليومية.
فقد شهدت الحركة العمالية في مصر مؤخراً، ما يشبه انتفاضة عمالية تجسدت في أكثر من مائتي تحرك. هذه الاحتجاجات العمالية على اتساع حجمها، كانت تحمل مطالب اقتصادية واضحة ومباشرة، سواء من ناحية الأجور والحوافز، أو حتى من حيث القرارات الخاصة بالتشغيل، خاصة بعد رياح الخصخصة التي هبت على مصر. وبلغت خسائر الحركة العمالية في تلك الفترة، فصل أكثر من 50 ألف عامل من الشركات التي تجرأ عمالها على الاحتجاج والإضراب والاعتصام، ضد محاولات تنفيذ سياسة الحكومة، التي راح ضحيتها 26 عاملاً، انتحروا بعد أن تدنت أجورهم وسقطوا تحت خط الفقر. بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الذين قضوا أو أدخلوا إلى المستشفى بعد إضرابهم عن الطعام. ومع ذلك فقد اتسع نطاق هذه التحركات ليشمل كافة المحافظات والمدن من القاهرة إلى الإسكندرية، طنطا، سوهاج، المحلة، سيناء، بورسعيد، السكك الحديدية والمعادي. وكان من أهم هذه الإضرابات، إضراب عمال النسيج والغزل في المحلة الكبرى، حيث شارك 27 ألف عامل في الإضراب، الذي كان الشرارة الأولى التي أشعلت الصراع بين الجماهير العمالية من جهة، والدولة وأصحاب رأس المال من جهة أخرى.
وقد أحدثت هذه التحركات تغييراً ايجابياً في أوضاع العمال، الأمر الذي يؤكد أن «الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي لإحداث التغيير»، وأنه قانون اجتماعي موضوعي، لم يخلقه العقل البشري، إنما أحس به واكتشفه، لوجوده المؤثر في الحياة الاجتماعية، وقد تلمسه الإنسان منذ بداية التقسيم الطبقي البسيط للعمل، الذي تطور إلى فقر وجوع وعوز واستغلال، بدرجات متفاوتة. كل ذلك نشأ مع التباين في امتلاك واستغلال أدوات الإنتاج، وتوزيع العمل والتخصص، وانقسام الناس إلى مالكين لأدوات الإنتاج، وعبيد لا يملكون غير قوة عملهم، أو لا يملكون شيئا على الإطلاق.
ويلاحَظ أنه لا فرق بين عامل في قطاع الأعمال الحرة، والقطاع الحكومي أو القطاع الخاص. وأن الحكومة من خلال ما تسنه من قوانين، تستهدف في المقام الأول، تهميش دور العمال، واقتطاع المزيد من حقوقهم، لصالح طبقة أصحاب الأعمال.
ولا تعتبر أوضاع العمال في دول أخرى أفضل حالاً، ففي الإمارات العربية المتحدة، ترتفع نداءات الاستغاثة نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية وسوء ظروف المعيشة والعمل. فالأبراج والأبنية الضخمة والأسواق لن تمنع من رؤية المعاناة اليومية التي يعيشها آلاف العمال من الطبقات الفقيرة، وقد عبر هؤلاء عن ذلك في سلسلة من الإضرابات، وما زالت هذه الأصوات ترتفع لتؤكد على اتساع الهوة بين القلة التي تمتلك أغلبية رؤوس الأموال، وبين الجماهير العمالية المناضلة في ظل ظروف عمل اقل ما يقال فيها أنها قاسية.
وفي البحرين، في عيد العمال من هذا العام، خرجت أول مسيرة عمالية منذ 33 عاماً، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لحل المشكلات العالقة. فمطالب العمال لا تختلف عما كانت عليه في الفترات السابقة مثل: تحسين الأجور، ومحاربة البطالة، واستجابة الدولة لتأسيس نقابات حرة في القطاعين الخاص والعام، وكذلك إفساح المجال للعناصر الوطنية في مؤسسات الدولة، من دون تمييز طائفي، بل على أسس المواطنة الحقّة.
من خلال ما سبق نستنتج أن هموم العمال واحدة، رغم اختلاف أوطانهم وانتماءاتهم الجغرافية والسياسية، وأن الصراع الطبقي يتزايد بتزايد الفروق الطبقية، والاستغلال والفقر..