بعد إغلاق الأبواب.. هل هناك حوار جديد بين الحكومة والنقابات؟
تأزم الموقف في الأشهر القليلة الماضية بين الحركة النقابية والحكومة، وقد جاء هذا التأزم بعد تصريحات لرئيس الحكومة ولوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل حول رفض الحكومة تثبيت العمال المؤقتين، وإن التثبيت كان خطأ، بالإضافة لتصريحات وقرارات أخرى لوزيرة الشؤون تتجاوز بها الاتحاد العام لنقابات العمال.
وجرى أيضاً إبعاد ممثلي العمال والفلاحين من اللجنة الاقتصادية، وتجميد مشروع قانون إصلاح القطاع العام ورفضه نهائياً، وبروز اقتراح وزير الصناعة لمشروع آخر دون أخذ رأي الحركة النقابية. هذا بالإضافة إلى المذكرات التي ترفع من الاتحاد العام حول قضايا ومطالب عمالية عديدة، ولكن دون آذان صاغية.
■ البداية المذكرة
إذاً الحكومة أغلقت الأبواب أمام الحركة النقابية بعد شراكة استمرت أربعة عقود مع الحكومات، وأمام إغلاق الأبواب سبق الاتحاد العام انعقاد مجلسه الدوري بأسبوعين برفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية ومذكرة أخرى إلى رئيس الوزراء، وقد وضع الاتحاد العام في هذه المذكرات تصوراته حول قانون إصلاح القطاع العام المقترح، ودعا إلى حوار مع الحكومة للتوصل إلى حلول حول القضايا العالقة.
نص المذكرة يقول:
إشارة لمذكرة السيد وزير الصناعة ذات الرقم /110/ص وتاريخ 22/7/2008 المرفوعة إلى رئاسة مجلس الوزراء والمتضمنة الآلية المناسبة لتنفيذ برنامج تأهيل وإعادة هيكلة القطاع العام الصناعي وحسب الأولويات والجدول الزمني اللازم للتنفيذ والكلفة المالية الناجمة عن عمليات التأهيل وإعادة الهيكلة.
وبعد مناقشة المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال مضمون المذكرة توصل إلى الملاحظات التالية:
1 ـ لقد تم إعداد هذه الدراسة بتجاهل كامل لأحد أهم أطراف الإنتاج وهم العمال علماً بأنهم شركاء في القرار وتحمل المسؤولية من خلال وجودهم القانوني في مجالس الإدارات واللجان الإدارية.
2 ـ المذكرة جاءت مخالفة لتوصيات المؤتمر القطري الذي أوصى بدراسة واقع كل شركة على حدة وليس بالجملة كما ورد في المذكرة.
3 ـ المذكرة مجتزأة من مسودة مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي الذي استوفى حقه من الدراسة وشارك في إعداده وصياغته النهائية كل الأطراف والجهات المعنية الذي أصبح طي النسيان تحت ذريعة أنه بالإمكان إصلاح القطاع العام الصناعي دون الحاجة إلى إصدار هكذا تشريع ويكتفي بالقوانين النافذة.
بينما نجد الدراسة المقدمة الآن تقترح تعديل وإصدار تشريعات جديدة بالإمكان الاستغناء عنها كاملة في حال تم إصدار قانون إصلاح القطاع العام الصناعي والذي أشبع نقاشاً ودراسة.
4 ـ ما هي النوايا حول الشركات الرابحة والهامة والتي تقع ضمن المخططات التنظيمية وما هي طرق معالجتها لزيادة إنتاجيتها وريعيتها وتنافسيتها.
5 ـ في حال تغيير نشاط أية شركة خاسرة يمكن ذلك مع بقائها ضمن إطار وزارة الصناعة ومؤسساتها. لكي لا نصل في النهاية إلى بلد لا تملك قطاعاً صناعياً من خلال تغيير نشاط شركة بعد أخرى إلى سياحي أو خدمي أو عقاري.
6 ـ إن البرنامج المطروح لإعادة التأهيل يعني في حال استمراره انتفاء القطاع العام الصناعي بالمحصلة من خلال طرحه للاستثمار العقاري والسياحي والتجاري والخشية من أن يمتد إلى باقي الشركات.
7 ـ حددت الوزارة فائض العمالة بـ15 ألف عامل دون اعتماد أي معيار في تحديد الفائض. وتقترح وزارة الصناعة تحويل العمال إلى الجهات الخدمية تارة وأخرى إلى وزارة العمل وثالثة تضمينهم في دفاتر الشروط الفنية في إعلان الاستثمار وهذه المهارة في التعامل مع اليد العاملة دليل التسرّع في معالجة قطاع استراتيجي بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
8 ـ ليست مسألة تخفيض كلفة المنتج تكمن فقط بتخفيض اليد العاملة بل تعرف وزارة الصناعة أكثر من غيرها بأن حالات الفساد ولجان الشراء والعقود والصفقات والإدارات هي وراء زيادة كلفة المنتج وليست اليد العاملة.
9 ـ إن اقتراح وزارة الصناعة القاضي بإحداث صندوق مخصص لتأمين موارد من خلال استثمار بعض الأصول الثابتة لبعض الشركات هو سلسلة لا تنتهي ويخشى مع كل خسارة أن يتم الإعلان عن طرح شركات جديدة لدرجة لا يبقى لدينا شيء اسمه قطاع عام صناعي.
10 ـ إذا كانت هناك نوايا حسنة تجاه القطاع العام الصناعي فإننا نقترح بعيداً عن كل هذه الرؤيا أن يترك لوزارة الصناعة الفوائض والأرباح، والضرائب للقطاع العام الصناعي لمدة خمس سنوات فقط، والتي تقدر سنوياً بأكثر من ثلاثين مليار ليرة سورية وهي كافية لإصلاح وهيكلة هذا القطاع خلال خمس سنوات ووفق أهمية كل شركة.
11 ـ ذهبت وزارة الصناعة إلى تحويل فائض العمالة إلى وزارة العمل، السؤال: ما هي المؤيدات القانونية لذلك وما هي ولاية وزارة العمل في هذا المجال ونعتقد بأنه لا ولاية لها وهذا يدل على عدم اعتماد الدقة في وضع الخطة.
12 ـ الموضوع لا يكمن في تعديل القانون /2/ لعام 2005 ولا قانون العقود /51/ لعام 2004 بل في مراسيم إحداث الشركات وطبيعتها ومهامها التي نصت عليها هذه المراسيم، كما أن الشركات الخاسرة تعامل وفق برنامج للتأهيل المقترح على أنها أراض سيتم الإعلان عن استثمارها وليس باعتبارها منشآت عامة ومحدثة بمراسيم.
وهي ليست ملكاً لوزارة الصناعة ومن حقها أن تحدد الطريقة التي سيتم استثمارها تجارياً أو سياحياً أو عقارياً.
13 ـ أشارت المذكرة في البند التاسع منها إلى السماح بإجراء عقود إدارية مع أشخاص عاديين أو اعتباريين لإدارة بعض الشركات وهذا الأمر يعني خصخصة الإدارة ومن ثم يأتي لاحقاً خصخصة الباقي، أما بخصوص وضع آلية جديدة لتعيين مدراء مؤسسات وشركات فهذا الأمر يتعلق بالقيادة السياسية.
أما بخصوص البرنامج الزمني المرفق، والذي يتعلق بأكثر من وزارة وجهة ويحتاج إلى تشريعات جديدة لذلك نرى بأن هذا الأمر بعيد المنال ويبقى في إطاره النظري غير القابل للتطبيق.
14 ـ يقترح الاتحاد العام لنقابات العمال في ظل هذا الواقع أن يتم تشكيل لجنة للحوار الدائم لمناقشة القضايا الاقتصادية من (الحكومة والعمال والحزب) على غرار لجنة الحوار الثلاثي الدائمة من أطراف الإنتاج (العمال ـ أرباب العمال ـ وزارة العمل) وذلك بغية التوصل إلى مفاهيم مشتركة تجاه القضايا كافة ـ قطاع عام ـ قضايا اقتصادية وغيرها.
15 ـ يسأل الاتحاد العام هل الظروف الحالية المعيشية للعمال الذين سيفقدون العديد من مكاسبهم في هذه الحالة وهل الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مناسب لإجراء هذه الصدمات في هذه المرحلة. ونرى أنه من الضرورة دراسة الأمر بتأن وهدوء لكل شريحة بعيداً عن الحلول ذات المنعكسات السلبية على الشرائح الاجتماعية الفقيرة.
■ آمال متبقية
لكل هذه الأسباب: يأمل الاتحاد العام لنقابات العمال من القيادة القطرية للحزب التوجه لرئاسة مجلس الوزراء بإعادة المذكرة لوزارة الصناعة، والتوجيه لإعداد دراسة شاملة عن واقع القطاع العام الصناعي، وإجراء تقييم موضوعي للواقع الحالي للمعامل ومصانع القطاع العام كافة، والجدوى الاقتصادية لكل منها كما جاء في كتاب السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 5023/1 تاريخ 5/6/2008 الموجه إلى وزارة الصناعة.
ومن ثم تقديم برنامج لإعادة تأهيل وهيكلة هذا القطاع وتعزيز قدرته الإنتاجية والتنافسية باعتباره الذراع الوحيدة التي تمتلكها الدولة في المجال الصناعي، وذلك بمشاركة جميع أطراف الإنتاج.
كما إن إصلاح هذا القطاع الاستراتيجي الهام والإبقاء عليه مع الصناعات القائمة في القطاع الخاص واستمرار دعم الدولة ورعايتها للصناعة في العام والخاص هي التي تخلق تنمية حقيقية في البلد وقيمة مضافة وبالتالي معدلات نمو حقيقية وليس التوسع في المضاربات العقارية والقطاع الخدمي والعام.
بعد هذه المذكرة عقد مجلس الاتحاد العام، ولأول مرة لم يدعُ الحكومة إلى حضور أعمال المجلس في خطوة احتجاجية، وكان المجلس ساخناً وعاصفاً، ودعت القيادات النقابية إلى اتخاذ موقف شجاع أمام تصريحات الحكومة وممارساتها وتجاهلها قضايا العمال المطلبية، بالإضافة إلى ضرب القطاع العام وتركه للموت السريري دون إصلاح أو تطوير أو تحديث.
وبعد المجلس بيومين اجتمع رئيس الوزراء مع القيادة النقابية وتمت الموافقة على مطالب بسيطة، على أن يستمر الحوار دائماً.
■ مطالب النقابات العمالية
على كل فقد أوجز مؤتمر الاتحاد العام الـ25مئتي مطلب عمالي ووزعها حسب اختصاص كل وزارة:
قضية آليات العمل في القطاع الخاص خصوصاً بعد التعددية الاقتصادية وقانون الاستثمار واقتصاد السوق.
آلية عمل المنظمة النقابية في القطاع الخاص.
العمالة المؤقتة 60 ألف عامل خارج التثبيت.
استيلاء وزارة المالية على 50 مليار ل.س من مؤسسة التأمينات وهي أموال العمال.
عدم توفير فرص عمل والبطالة المتفاقمة.
الطبابة، الوجبة الغذائية والتي تبلغ 16 ل.س يومياً وقد وعد رئيس الحكومة برفعها إلى 30 ل.س.
الدعاوى العمالية، قانون العمل المقترح من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ارتفاع معدل البطالة الناجم عن ضعف وتراجع الاستثمارات العامة تواضع حجم الاستثمارات الخاصة.
وبشكل عام أقول رغم وعود رئيس الحكومة بحوار وإعادة العلاقة الحميمة بين الحكومة والحركة النقابية، فإن المطلوب من الحركة النقابية ليس بحث المطالب فقط، وإنما عليها أن تلعب دوراً أكبر في التأثير على مسارات التحولات الاقتصادية في سورية، وهذا الدور الجريء والكبير هو الذي يضمن حقوق الطبقة العاملة، ويجب أن يبدأ الآن قبل فوات الأوان.