بصراحة العمال بحاجة إلى إسعاف!!!
مايزال الوضع المعاشي للعمال البند الأول في كل الاجتماعات التي تعقدها النقابات، وهذا جزء من مهامها الكثيرة التي من المفترض أن تتصدى لها باستمرار، لأن أجور العمال هي المقياس الذي على أساسه يتم تقييم أداء الحركة النقابية، وهي المؤشر أيضاً لقرب أو بعد الطبقة العاملة من النقابات، فكلما تصاعد نضال النقابات من أجل أجور عادلة للطبقة العاملة السورية، ازداد اقتراب العمال منها، ليكونوا سنداً حقيقياً لها في مواجهة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة،
خاصةًً تلك المتعلقة بواقع العمال وأماكن عملهم، أي المعامل والشركات التي في نية الحكومة التخلص منها تحت ذرائع مختلفة، وهذا ما عبَّرت عنه الحكومة في الفترة الأخيرة بتصريحات وزرائها المعنيين بالشأن الاقتصادي والعمالي، والتي جرى تبريرها في اجتماع مجلس الاتحاد العام بأنها تصريحات تعبر عن رأي من صرح بها، ولا تعبر عن موقف الحكومة، وهذا تبرير لا معنى له لأن هؤلاء الوزراء لا ينطقون عن الهوى، إنما ينطقون من وحي برنامج محدد تسعى الحكومة لإنجازه وفقاً للخيارات التي حددتها، وأهم هذه الخيارات: الاعتماد الكلي على الاستثمارات الأجنبية والعربية والمحلية، للحلول محل الدولة في مهامها المختلفة، ومنها تحقيق التنمية، وتشغيل اليد العاملة، والتعليم والصحة، وغيرها من المهام.
إن الركون إلى وعود الحكومة فقط لتحقيق مطالب ومصالح الطبقة العاملة، (التي حددها الاتحاد العام في مذكرته إلى رئاسة مجلس الوزراء بـ 200 مطلب عمالي، ثم اختصرها مؤخراً إلى مطلبين متعلقين بالضمان الصحي وتثبيت العمال المؤقتين فقط)، يعني المراهنة على سراب، حيث يتطلب تحقيق هذه المطالب الاعتماد على دور ونضال الطبقة العاملة الذي يتصاعد يوماً بعد يوم، بعد اكتشافها لحقيقة موقف الحكومة تجاه حقوقها ومطالبها، وتوصلها إلى أن الحركة النقابية ليست بوضع يمكِّنها من الدفاع عن حقوقها، بمختلف الطرق والوسائل المشروعة.
إن تأكيد النقابات على التشاركية مع الحكومة بعد التجربة المريرة التي مرت بها، حيث تراجعت الحكومة عن كل وعودها، يعني المراوحة في المكان، وعدم التقدم أية خطوة إلى الأمام، بعد أن فقدت التصريحات الحكومية كل مصداقية، بعد الاجتماع الذي عقد بين المكتب التنفيذي للاتحاد العام والحكومة، والذي أُعلن عقبه أن الحكومة ستنفذ «بعض المطالب» التي تقدمت بها النقابات، وقولها بعض المطالب يعني أنها لن تقدم على تحقيق ما هو مهم في مطالب النقابات، لأن ذلك يتعارض مع توجهاتها وبرنامج عملها المختلف والمتعارض مع توجهات النقابات، التي أصبحت تعتبر الحكومة رب عمل، فكيف سيكون هناك تشارك بين طرفين متناقضين في المصالح والبرامج.
الطبقة العاملة السورية الآن تئنُّ من وضعها المعيشي، بسبب تدني أجورها، وارتفاع الأسعار المتصاعد مع حلول شهر رمضان، وافتتاح المدارس، وبدء العائلات السورية بالتحضير للمؤونة الشتوية، وغيرها من الالتزامات، ومن هنا كان المطلوب نقابياً النضال المتواصل من أجل زيادة الأجور الفعلية للطبقة العاملة، مع أن هذه الأجور قد ازدادت شكلياً، ولكن تلك الزيادة قد ألتهمها من اليوم الأول تصاعد الأسعار المستمر، بسبب غياب دور الدولة في ضبط الأسواق والتحكم بها، نتيجةً لسياسة تحرير السوق وترك التحكم به للتجار، وبمثل هذه السياسات لن يستفيد العمال من (الترقيعات) التي تنتهجها الحكومة لتخفيف وطأة الأوضاع ، كطرح مواد غذائية في الأسواق، والادعاء بأن أسعارها منافسة لأسعار الأسواق، لأن المواطن لم يلمس فرقاً واضحاً في الأسعار بين ما تطرح الحكومة في منافذها وبين ما يطرحه التجار في الأسواق، فالأمر سيان والغلاء في استمرار وتصاعد، خاصةً في أسعار ألبسة المدارس وألبسة الأطفال، بعد أن أصبح موسما الأعياد وافتتاح المدارس على الأبواب.
لقد عبر أحد النقابيين في اجتماع مجلس اتحاد عمال دمشق عن تخوفه من استمرار الأوضاع المعاشية الحالية في سوئها، حيث قال ونستعير منه القول: «عمالنا بحاجة إلى إسعاف، ونحن قد رفعنا أيدينا، ونرجو أن يقتصر الأمر على رفع الأيدي فقط!!!»
إن في هذا القول كناية قوية على استمرار التدهور في الوضع المعاشي للعمال، وترديه إلى مستوى لم يعد السكوت والتراخي فيه مقبولاً.
فهل ستسعف النقابات العمال، أم أنها ستترك أحوالهم المعاشية تسير نحو المجهول؟!
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.