بصراحة التوافق بين الحكومة والقطاع الخاص في مفهوم «ثقافة العمل»!!
يتردد مصطلح «ثقافة العمل» في الآونة الأخيرة كثيراً في الأدبيات الحكومية، فالحكومة وعلى لسان أكثر من طرف فيها تؤكد على ثقافة العمل، التي تعني الإقلاع نهائياً عن التفكير بأن الدولة هي مصدر العمل الوحيد والآمن،
الذي لابد له من توفير فرص العمل لجيوش العاطلين، الذين يتضاعفون عاماً بعد آخر، دون أن يجدوا تلك الفرص الذهبية التي كانت الحكومة تؤمنها لهم فيما مضى، من خلال شركاتها ومعاملها وأجهزتها الحكومية المختلفة، بسبب تغير إستراتيجية الحكومة، وتراجعها عن الدور الرعائي الذي لعبته لفترة طويلة، والذي تم من خلاله الالتزام بتأمين ألاف فرص العمل للمواطنين، ضمن المشاريع التي كانت تنتشر على مساحة الوطن، ذلك الالتزام الذي تحاول الحكومة التخلي عنه بمختلف الوسائل، لاعتبارات تتوافق مع السياسات الليبرالية التي تنتهجها الآن، والتي يقوم جوهرها على تقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وترك الساحة للقطاع الخاص المحلي والأجنبي لكي يملأ الفراغ الذي ستحدثه أو الذي أحدثته في الكثير من المواقع، باعتبار أن القطاع الخاص هو من يعول عليه للقيام بالمهمات التي كانت تقوم بها الدولة سابقاً، والتي تنسحب منها الآن واحدة بعد الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار في شركات القطاع العام، التي أصبح استثمارها وإعادة أصلاحها وتشغيلها بما يتوافق مع الضرورات الاقتصادية والوطنية شيئاً من الماضي، وهذا ينسحب أيضاً على الاستثمار في الجانب البشري «القوى العاملة»، التي أوكلت مهمته للقطاع الخاص وخاصة الصناعي منه، الذي يعاني الآن الكثير من الصعوبات بسبب أرتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب قيام الحكومة برفع أسعار الطاقة، وعدم حماية الإنتاج الوطني بشقيه الخاص والعام، والذي بات غير قادر على منافسة البضائع الأجنبية التي فُتحت أبواب الأسواق المحلية لها على مصراعيها، مما يعني إفلاس وإغلاق الكثير من المعامل والورش التي لا قدرة لها على المنافسة، وبهذا تكون الخسارة مضاعفة، خسارة للإنتاج الوطني، تؤدي إلى خروجه من السوق، وخسارة للعمال الذين سيلقى بهم إلى الشوارع، ليبحثوا عن العمل مرة أخرى، وليزيدوا من أعداد جيش العاطلين عن العمل.
إن ما تدعو إليه الحكومة إذاً من تغيير في أسلوب تفكير العاطلين عن العمل، بتوجيههم إلى ضرورة اللجوء إلى القطاع الخاص للعمل فيه، ما هو إلا ضرب من الوهم والتضليل، لأن قدرة القطاع الخاص محدودة في حل أزمة البطالة، واستيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل، وإن استطاع استيعاب جزء منهم، فإن ذلك سيكون وفق شروطه هو، أي حسب مبدأ«العقد شريعة المتعاقدين»، والذي يحدد هذا العقد و شروطه في المآل الأخير هو رب العمل، لأنه الأقوى في السوق. والسوق هو عرض وطلب، وعرض اليد العاملة الآن في السوق أكثر من طلبها، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة قوة العمل المعروضة بشكل كبير، وإلى سيطرة أرباب العمل الكاملة على شروط بيع تلك القوة، وهذا يتوافق مع ما صرحت به وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل حول العمال غير المثبتين في الدولة: «التثبيت وهم صنعناه فصدقناه، ولا مثيل له في العالم»، ويتطابق أيضاً مع تصريحات الدكتور نبيل سكر الذي يرى ضرورة التخلص من فكرة تثبيت الموظفين، التي انعكست بشكل سلبي مع مرور الوقت على أداء الموظفين، وتحولت من سبب للاستقرار والأمان الوظيفي إلى مبرر للكسل والتراجع في الأداء، ويضيف الدكتور سكر: إن نظرية العقد شريعة المتعاقدين لدى القطاع الخاص هي تجربة عالمية ناجحة دون شك، وهي محفزة للعامل على تطوير نفسه باستمرار.
ونحن نقول للسيدة الوزيرة وللسيد الدكتور، اللذين يدعيان الاقتداء بالتجارب العالمية بما يخص اليد العاملة، بأن الطبقة العاملة في أوربا وأمريكا، من خلال نضالها ونضال نقاباتها استطاعت أن تنتزع الكثير من المكتسبات، التي تجسدت في صناديق الأمان المتعددة، التي توفر لهؤلاء العمال الحماية الاجتماعية: مثل صناديق البطالة، والتوقف عن العمل، والتدريب المهني، والضمان الصحي. واستطاعت الطبقة العاملة في الغرب الحفاظ على هذه المكتسبات من خلال الحقوق التي انتزعوها انتزاعاً خلال نضالهم الطويل، كحقهم بالإضراب لتأمين حقوقهم والدفاع عن مكتسباتهم... هذا ما جرى ويجري عالمياً، والسؤال الموجه للسيدة الوزيرة وأقرانها من الليبراليين الجدد: ماذا فعلتم للطبقة العاملة من أشكال الحماية والتأمين، حتى تقنعوا العمال بتغيير ثقافتهم كما ترغبون؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.