بصراحة قصة عامل.. مع الخوف!!
من بداية الكلام معه عن أوضاع العمل والعمال في المعمل، قال: أنا عامل بسيط، وأرجو ألا يصل رقم هاتفي إلى رب العمل الذي أعمل عنده، لأنه لو علم بما سأقول سيسرحني من عملي، وأنا صاحب عائلة، ولا يمكن أن أبقى دون عمل، وإذا حدث فإن أطفالي سيموتون جوعاً.
إنها لمغامرة كبيرة أن يتحدث العامل عن معاناته هو وزملاؤه، تجعله يرتجف خوفاً، لا لجريمة أرتكبها، أو ذنباً أقترفه بحق آخر، أو عملية نصب قام بها، أو صفقة جعلته في ليلة وضحاها من الأثرياء محدثي النعمة. إن مصدر خوفه وقلقه هو فقط كيفية محافظته على استمرارية بيعه لقوة عمله في (سوق العبيد)! التي يعرض فيها كل يوم عشرات الألوف من (العبيد) الجاهزين لبيع قوة عملهم بأي ثمن، هذا هو قانون السوق، كل شيء فيه خاضع للمساومة، ومن يقدم بضاعته أرخص، يكسب السوق، والعامل دائماً في اقتصاد السوق يقدم بضاعته بالمجان، أو مقابل حفنة زهيدة من الليرات يسد بها رمقه، ويطعم من فُتاتها أفواه أطفاله المنتظرين عودة معيلهم بما سيبقيهم على قيد الحياة.
قصة هذا العامل (المغامر)، مثل آلاف القصص لعمال مثله، يخشون حتى الكلام، والكلام هذه المرة جاء من معمل الحافظ لصناعة البرادات، وهو من المعامل القديمة في سورية، ويعمل فيه عشرات العمال الذين تنظم لهم عقود عمل مؤقتة، مدتها ثلاثة أشهر، تجدد بعدها أو يسرح العامل، إلا بعض المقربين منهم، والغاية من تنظيم مثل هذه العقود هي عدم تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، وهي حسب قانون التأمينات وقانون العمل 91، فترة اختبارية لا تلزم رب العمل بتسجيل العمال خلالها في التأمينات، هذا من جانب، أما الجانب الحقيقي من العملية، فهو إمساك العمال من اليد التي توجعهم، والتي بمقتضاها يبقى رب العمل مسلطاً عليهم سيف التسريح، حيث يستطيع أن يرميهم على قارعة الطريق دون أن تترتب عليه أية حقوق، حتى لو اشتكى العامل لوزراة العمل أو التأمينات، وهذا السلوك يقوم به الكثير من أرباب العمل بالإضافة إلى إجبار العمال على توقيع استقالات مسبقة، والتي بموجبها لا يحق للعامل المطالبة بحقوقه، لأنه تنازل عنها مسبقاً لرب العمل تحت ضغط الحاجة، حيث يعلم العامل أنه لو رفض العرض المقدم له، وبالشروط المجحفة هذه، سيكون هناك آلاف من المنتظرين في طابور العاطلين عن العمل، سيقبلون بتلك الشروط، طالما أنها ستؤمن لهم ولو مؤقتاً، قوتهم وقوت عيالهم اليومي.
هذا هو مصدر خوف العامل الذي أصر ألا يعلم أحد بحديثه عن المعمل الذي هو فيه الآن، لأنه يعلم مسبقاً أن لا حماية له من التسريح، وبالتالي سيهيم على وجهه بحثاً عن عمل، مرة أخرى. وعندما طرح ما لديه من تخوفات وما يرى من ممارسات، فقد كان يأمل من خلال طرح مشكلته، بإيجاد حل ما، يحمي فيه نفسه وبقية العمال من التسريح الذي يهددهم.
توجهنا إلى أحد المسؤولين النقابيين، وطرحنا ما قاله العامل، فكانت الإجابة غير سارة، وكان الوضع أسوأ من المشكلة الأساسية، حيث قال: إننا لا نستطيع الدخول إلى هذا المعمل، فهو مغلق بوجهنا من رب العمل، ولا يمكننا أن نقدم للعمال شيئاً.
إن تخوف العمال من الكلام مشروع، وهذا يعكس إلى حد بعيد، عمق الأزمة بين الحركة النقابية وعمال القطاع الخاص، من حيث القدرة على تنسيبهم للنقابات، وحماية حقوقهم المهددين بفقدانها دائماً. إن خطوة عملية باتجاه العمال، أفضل من دزينة قرارات على الورق، والعمال يشخصون بعيونهم تجاه حركتهم النقابية، لتؤمّن حمايتهم من خطر التسريح، وتفرض أداء حقوقهم التأمينية والأجرية.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.