متابعة أوضاع العمال في المنطقة الصناعية بدمشق
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

متابعة أوضاع العمال في المنطقة الصناعية بدمشق

تقع المنطقة الصناعية في مدينة دمشق على المساحة الممتدة من المؤسسة العامة للنقل الداخلي وحتى دوار المطار، ويقسم شارع الصناعة المنطقة إلى قسم سكني جنوب الطريق وقسم آخر صناعي شمال الطريق.

يحوي القسم الصناعي فيها مئات المعامل والمشاغل والورش والمحلات التجارية، التي تَحوّل الكثير منها لمشاغل أو ورش تصليح سيارات وتجارة حديد ومستودعات مواد غذائية، فيما تخصصت باقي المحلات ببيع قطع غيار السيارات بأنواعها المختلفة.

مئات المشاغل وآلاف العمال

أما الطوابق والأقبية فهي عبارة عن معامل ومشاغل متنوعة، يحوز قطاع النسيج على النسبة الأعلى من خلال (معامل الخياطة والجوارب والتطريز والتريكو) ونجد هناك الصناعات الغذائية (معامل شوكلاه وبسكويت وشيبس  وسكاكر وعلكة ...الخ) ويوجد أيضاً عدد لا بأس به من معامل الصناعات المعدنية والكهربائية والتي يمكن وصف بعضها بالصناعة الثقيلة والمتوسطة، مثلاً ( صناعة المكابس- الأفران الحرارية– أجهزة التدفئة المركزية– سكب وتشكيل المعادن ..الخ) ويبرز أيضاً وجود أكثر من خمس مكاتب لشحن البضائع داخل القطر وخارجه، وهذا الوصف المختصر  للتكتل الصناعي الهام يهدف لإبراز أهميته، ويؤشر بشكل مباشر لحجم العمالة الموجودة فيه وأهميتها كماً ونوعاً.

ما بعلمكم لآكل تعبكم

تنتشر ورش تصليح السيارات بكثرة، ويظهر للعيان حجم العمل فيها وكثافته من عدد السيارات المتوقفة أمام تلك الورش والتي تحتاج لإصلاحات، وكما هو معلوم يعتمد صاحب الورشة على تشغيل عامل أو عاملين من أصحاب الخبرة والمهارة الفنية، وعلى عدد أكبر من العمال الفتية (14-18) سنة، قد يصل عددهم في الورشة الواحدة إلى سبعة فتيان يشتغلون بظروف صعبة وشروط مجحفة لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة، ولا مع قوتهم البدنية الضعيفة، ويعد الأجر الذي يتقاضونه رمزياً، لا يغطي بأحسن الأحوال (حق سندويشة وأجرة المكرو) ويعود السبب في ذلك لرغبة الأهل بتعليم أولادهم مهنة كريمة يعتاشون منها في المستقبل، حتى لو كان ثمن ذلك التضحية ببعض السنين المجانية، وهذا ما يستغله صاحب الورشة بامتياز، فينصب (أركيلته) أمام باب المحل مكتفيا بالتوجيه والتوبيخ ومحاسبة الزبون بأجرة التصليح، بينما ترى الأطفال تحت السيارات بوجوههم المشحمة وأيديهم الخشنة الممتلئة بالجروح والتقرحات، يعاركون الصلب والحديد، وتعمل هذه الورشات من 9 صباحاً وحتى مغيب الشمس، بحدود عشر ساعات صيفاً وثمانية شتاءً، ويقدر أجر العامل الفني الخبير أو نسبته من التصليح من 3-6 ألاف ليرة يومياً، فيما يتقاضى الفتية 300-500 ليرة يومياً حسب عمره وتكلفة أجور نقله وعدد سنين خدمته في المصلحة.

عمال العتالة (حالتهم حالة)

تشتغل مجموعة كبيرة من عمال (العتالة) في مكاتب الشحن ومستودعات المواد الغذائية، ولا تختلف ظروفهم عن مجمل عمال المهنة، إلا أنهم يمتازون بتحقيق استقرار أعلى من أقرانهم في الأسواق التجارية (كسوق الهال مثلاً) كونهم متعاقدون مع أصحاب المكاتب والمستودعات على العمل كاملاً، وبأجر أسبوعي أو يومي ثابت، وهم بذلك يتفادون عملية التنافس التي تنشأ بالأسواق والتي غالباً ما تدني أجورهم، ولكن في الوقت ذاته فإن أجورهم تكون أدنى من عمال العتالة في الأسواق الذين يأخذون أجور متفاوتة وعلى أساس الحمولة، وهم بذلك يتنازلون عن بضعة ألاف من الليرات مقابل الاستقرار في عدد ساعات العمل وثبات الأجر، ويبلغ عدد ساعات العمل اليومي 9 ساعات تقريباً، وتتراوح الأجور بين 18-26 ألف أسبوعياً، وأوضح العمال بأن أجورهم ليست جيدة كما يظن البعض، فالمعيشة تحتاج لضعف هذا المبلغ إن لم يكن أكثر، خاصة أن مهنتهم شاقة وتحتاج لمجهود عضلي كبير، يقول أبو زياد: «قد ما أخدنا أجر بيضل قليل, لازم يكون أجرنا ضعف معيشتنا, مشان نقدر نخبي كم ليرة نعيش فيهم بعد ما ينكسر ظهرنا ونبطل نقدر نعتل, مصلحتنا عمرها قصير, ونحنا لا تعويض ولا تأمين, قبل الأزمة كنا نصمد قرشين بس هلأ عم ندّين قرشين لنقدر نكفي ونعيش».

مشكلتنا الأكبر .... سياسات الحكومة

أحد معامل تصنيع المكابس والأفران الحرارية، يتضمن عدة أقسام، منها قسم التصميم والحدادة وآخر للخراطة وقسم الكهرباء والإلكترون، بما يتضمنه من تطبيق المحركات وتنفيذ الدارات والملفات الحرارية، أما آخر مراحل الإنتاج فهي الدهان الحراري والتجريب، ويتميز العمال بمهارة عالية كون معظمهم من الفنيين أصحاب الخبرة، وأوضاعهم أفضل نسبياً من باقي الشرائح العمالية من عدة نواحي، أهمها: الأجور، والحوافز، وضمان تعويض إصابة العمل، رغم عدم تسجيل صاحب المعمل لهم بالتأمينات الاجتماعية، بل اكتفى بتسجيل ثلاثة من أقاربه الموجودين ضمن العمال، لكن العمال كانوا واثقين من ضمان إصابة العمل ويعود السبب كما قالوا بأنهم يعرفون حقوقهم جيداً، وصاحب العمل يعلم بأننا لن نسكت إذا ما أصيب أحدنا ولم يتحمل مسؤوليته كاملة، وقد حصلت عدة حالات سابقة حيث تكفل صاحب العمل بتكاليف العلاج كاملة وبأجر كامل، ويعمل العاملون في المنشأة عشر ساعات يومياً، في حين يبلغ متوسط الأجور 70 ألفاً شهرياً كأجر ثابت، يضاف إليه الحوافز الإنتاجية التي توافق على معيارها صاحب العمل والعمال، ولم يخفِ العمال عجزهم عن تأمين مستلزمات الحياة الضرورية، وحملوا السياسات الحكومية الاقتصادية المسؤولية الأولى بتدهور الوضع المعيشي، فكما قال أحد فنيي الكهرباء: «ما بصير نحاسب الصناعي وكأنه العلة فيه لحاله, نحنا أهل الكار ومنعرف شو عم يصير، يعني إذا أخدنا ضعف الراتب الحالي بتخلص مشاكلنا؟ أكيد لأ البلد بدها اقتصاد جديد وعقلية جديدة، شايف مستودع المواد الغذائية اللي بجنبنا عنده سبع عمال عتالة يربح أكتر من منشأتنا بأربعة أضعاف, فهمت شو قصدي؟».

فشة خلق

برهان (عامل عتالة): «بشتغل طوال النهار لحتى ينقسم ضهري بالنص، وباخد 3 آلاف باليوم، بدي أجار طريق 250 ليرة، وأقل الشي بدي وجبتين أكل باليوم مو أقل من 800 ليرة، وأجار بيتي 30 ألف بالشهر، يعني كمان ألف ليرة يعني ألف ألي وألف أجار بيت وألف لازم تكفي مرتي وولادي، فلا تسألني كيف عايش؟ يلعن أخت هالعيشة هاد أسمو موت أحمر».

أبو أسامة (معلم ميكانيك): «صاحب الورشة بيلف رجل على رجل وأنا بنط من سيارة لتحت سيارة تانية، أحيانا كاسة شاي ما بلحق أشرب باخد 25 ألف بالأسبوع، وطبعاً قبل ما يناولني المبلغ يسمعني هالكلمتين أنت عم تقبض مني راتب وزير، وهو على علمي ما بيرضى يوميته تحت 70 ألف، أنا كان عندي ورشة بالمليحة وبعرف شو أرباحها، بس ملعون أبو الحرب، مستأجر هون بالصناعة قبو غرفة وصالون بـ35 ألف بالشهر، وعندي ولد تعليم مفتوح وبنت نجحت عالتاسع، كيف بدي لحق؟ وقال شو راتب وزير! نحنا وين والوزراء وين؟».

ابتسام (عاملة تغليف): «نحنا البنات اللي بالمعمل كلنا من (حتيتة التركمان) ولقينا شغل قريب على (كراجات الست) والله أنو هالمعلم هون أحسن من غيرو بكتير، وبيكفي آدمي روح شوف غير معامل, عم ناخد 7 آلاف بالأسبوع، وطبعاً ما بكفي بس شو طالع بإيدنا، وين ما رحنا لح يعطونا أقل من هيك، أنا ساكنة بدويلعة بجي مشي وبروح مشي مشان وفر أجار الطريق، نحنا تهجرنا من الحتيتة وجوزي موقوف من 3 سنين وعم ربي هالولدين، شو طالع بإيدنا كل اللي بدي ياه يطلعولنا هالزلمة مشان نرجع عالبلد، نحنا كان عنا أرض صغيرة ساويناها منتزه صغير وكانت ساترتنا، والله الوحيد اللي بيعرف لأيمتى فينا نضل مستوريين؟».