متابعة وإعداد: علي نمر متابعة وإعداد: علي نمر

في المؤتمرات السنوية للنقابات: العمال يصرخون... والوزارات صماء!!

يبدو أن اختلاف الأساليب والطرق في طرح المشاكل والقضايا والمطالب العمالية لم يعد ملحوظاً جداً في المؤتمرات النقابية المتعددة، فبعد انعقاد أربعة مؤتمرات نقابية لاتحاد عمال دمشق، أظهرت مجمل المداخلات السوية نفسها والمطالب ذاتها، حيث لم نعد نلحظ بينها أي اختلاف سوى في اسم المؤتمر والجهة المنظمة له، وكالعادة فإن الطبقة العاملة ممثلةً بمندوبيها في هذه المؤتمرات قد حملت همومها عن الواقع السيئ الذي تعيشه في أماكن عملها، والصعوبات التي تواجهها، بدءاً من منافسة القطاع الخاص التي قد تبدو لا شرعية في الكثير من الأحيان، مروراً بإعاقة شركات القطاع العام، وإضعاف حالتها التسويقية في الدعاية والإعلان عن منتجها، التي تزيد كلفة إنتاجها أضعافاً مضاعفة عمَّا يدفعه القطاع الخاص، و بقانون الإصلاح للقطاع الصناعي، وتعليمات وزارة المالية فيما يتعلق بنسبة الـ 10% من الأرباح، وتعليمات رئاسة مجلس الوزراء بدفع رواتب عمال الشركات المتعثرة، أو المخسرة بالأحرى، وصولاً إلى ضرورة إصدار القوانين اللازمة للتقاعد المبكر والطبابة ووسائل النقل والحوافز.

إن المؤتمرات النقابية السنوية التي تأتي بمثابة جردة حساب لما أنجزته النقابات طيلة سنة كاملة، قد أكدت ما توقعه الكثيرون عن المآل الذي ستؤدي إليه السياسات النيوليبرالية التي يتبعها فريقنا الاقتصادي العتيد، حيث بينت تلك المؤتمرات الخراب الكبير الذي أصاب البنية التحتية للاقتصاد السوري، بمختلف مرافقه الصناعية والزراعية، ومدى التآكل الذي تعرضت له حقوق العاملين والمنتجين في مختلف المواطن الإنتاجية.  

ويبدو أن صانعي القرار في وزارة الصناعة يجارون تلك السياسات النيوليبرالية بكل حماس، فعلى الرغم من تعدد المطالب العمالية بإصلاح القطاع العام، وتأمين السيولة له، وتجديد آلاته القديمة، ورفده بمعدات وأجهزة جديدة، وتأمين حقوق العاملين فيه بشكل كامل، فإن هذه المطالب لم تلق من الوزارة إلا التجاهل والإهمال، مما زاد من حالة التدهور التي يعاني منها القطاع العام الصناعي، إلى درجة جعلته يدخل وضعية الموت السريري. وهذا الوضع يظهر بشكل خاص في الصناعات التحويلية، التي طالما اعتبرت العمود الفقري للصناعة السورية، وصارت الآن غير قادرة على الصمود والبقاء ضمن الشروط التي فرضها عليها الفريق الاقتصادي.

ولنر ماذا حملت لنا المؤتمرات السنوية من مطالب وأفكار: 

مؤتمر نقابة عمال الصناعات الخفيفة:

ولكن...ماذا عن عمال القطاع الخاص؟!! 

إذا كانت المطالب في معظم المؤتمرات النقابية واحدة، كما ذكرنا سابقاً، فإن المطالب المطروحة في مؤتمر نقابة عمال الصناعات الخفيفة تختلف نسبياً، نظراً لخصوصية تلك الصناعات، التي يستحوذ القطاع الخاص على القسم  الأكبر منها، أما شركات القطاع العام، والتي تضم مختلف الصناعات التحويلية، وصناعة الأحذية والمطاط والجلود، فتشكل نسبة 40% فقط من هذه الصناعات، الأمر الذي يزيد من صعوبة مهام اللجان النقابية وقياداتها أضعافاً مضاعفة، بسبب المعاملة القاسية التي يعامل بها أرباب العمل عمالهم، والرواتب المتدنية التي يعطونها لهم، وعدم منحهم أية إجازة أيام العطل الرسمية، وإرغامهم على توقيع استقالاتهم مسبقاً قبل استلامهم العمل، وتهرب أرباب العمل الدائم من لجان تسجيل العمال في مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل، وغيرها من القضايا التي لا تزال في عهدة مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل.

لقد طالبت معظم المداخلات بضرورة وجود أنظمة واضحة يتم الاعتماد عليها في مراقبة ومحاسبة أرباب العمل في القطاع الخاص، فلم ترد مداخلة دون ذكر مسألة الضمان الصحي، ودعم الوجبات المجانية المستحقة للعمال، والتعويضات المخصصة لهم حسب قوانين العمل، وبالتالي عودة الإجازات الساعية، والمكافآت العينية إلى كل القطاعات، وعدم تسريح العمال بشكل مجحف، والعمل على تعديل المادة /91/ من قانون العمل للمحافظة على حقوق العمال ومكتسباتهم التي حققوها بنضالهم، ومطالبة الحكومة بتحسين العلاقة بين الأجور والأسعار، ورفع أجور عمال القطاع الخاص بنسبة 30%، وزيادة قساطات السكن العمالي، وإشراك عمال القطاع الخاص فيها، وأن تكون نسبة الحفاظ على سن الشيخوخة 75% كحد أقصى.

 وكانت مفاجأة المؤتمر، كشف بعض المداخلات لموضوع طرح شركة أحذية النبك للاستثمار خفيةً، دون علم المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية بهذه العملية، مما ترك أكثر من إشارة استفهام حول الموضوع؟!!

وأكدت معظم مقترحات اللجان النقابية على وجوب وضع خطط إنتاجية وفق تقارير الطاقات الإنتاجية، واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، كلٌ حسب وظيفته وشهادته واختصاصه، ضمن العمل المطلوب، وتحسين نوعية المنتج، وإعطاء المرونة الكافية في تسويق المنتجات المخزونة، ودراسة وضع كل شركة على حدة، وتدعيمها مالياً، وإزالة الصعوبات كافة.

وقد بيَّن التقرير الاقتصادي المقدم للمؤتمر الواقع الصعب الذي تمرُّ به كل الشركات، مما أدى إلى تراجع الإنتاج بسبب قدم الآلات وعدم تجديدها، أو استجرار آلات جديدة، وضعف الدعم الحكومي المالي، ومصادرة وزارة المالية للديون المحصَّلة، بذريعة وجود فائض اقتصادي لمصلحة المؤسسة الكيميائية، ومنافسة البضائع المستوردة، وطالبت المداخلات بضرورة تعديل النظام الضريبي والرسوم الجمركية المفروضة على مواد الإنتاج، وطريقة إيفاء ضريبة دخل الأرباح التي تختلف عمَّا هو معمول به في  كل الدول العربية. 

مؤتمر نقابة عمال الغزل والنسيج:

صناعة عريقة...تحتضر!! 

يلعب قطاع الغزل والنسيج دوراً كبيراً ومهماً في الصناعة الوطنية، ويجب أن يلقى اهتماماً أكبر، خاصةً بعد تأكيد المداخلات المطروحة في مؤتمر نقابة عمال الغزل والنسيج على المعاناة الواحدة لدى شركات الغزل والنسيج كافةً. وقد ظهرت بعض نقاط الخلاف والتناقض بين مذكرة اللجنة النقابية والتقرير الاقتصادي المقدم للمؤتمر، وخاصةً فيما يتعلق بالشركة العامة لصناعة السجاد، وتركزت نقاط الخلاف حول مدى استقرار وضع الشركة، فحددت المذكرة نسب التراجع في كميات الإنتاج بنحو /16/ ألف م3، بالتوازي مع تراجع في المبيعات في العام 2008 مع العام 2007، وأن قيمة الكميات المخزونة لديها تعادل إنتاج 4.8 شهور حسب الخطة الإنتاجية، وأن الشركة تعاني من نقص في اليد العاملة مما أثر على عمل الورديات المتواصلة، وهذا ما يؤكد عدم تحقيق الشركة للخطة الإنتاجية الموضوعة لها.

وبالتالي فالمداخلات التي جاءت للدفاع عن هذا القطاع الهام بيَّنت حرص العمال عليه، وضرورة إحداث مراكز جديدة للتسويق، وتخفيض التكاليف بالنسبة للمنتج.

أما التقرير الاقتصادي المقدم إلى المؤتمر فقد أشار بشكل واضح إلى معاناة هذا القطاع من غياب أية إستراتيجية واضحة لدى الجهات المعنية والوصائية المسؤولة عن إصلاحه إدارياً ومالياً، ومن نقص الكوادر الفنية، وحساب التكاليف والاختصاص، الأمر الذي وقف في طريق تحسن أداء هذه الشركات، وجعلها عاجزة عن تقديم ما يصبو إليه العمال، وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على العمال والشركات على حد سواء، فلا العمال أخذوا حقوقهم كاملةً، ولا الشركات تخلصت من المشاكل التي تقف حائلاً أمام تطورها!!

فقد بلغ حجم المخازين في الشركة الخماسية لعام 2008 حوالي /219/ مليون ليرة، وبحسابها بالقيمة الثابتة يزيد حجمها عن مليار ونصف ليرة. ولعل السمة الأبرز لكل الشركات التابعة لقطاع الغزل والنسيج هو نقص السيولة، كغيرها من شركات القطاع العام، وعدم تخصيص الأموال الكافية لها للصيانة والتجديد، بالإضافة للتشابكات المالية مع الجهات المعنية!!

ومن أهم الاقتراحات التي قدمها التقرير الاقتصادي إحداث صندوق لدعم صادرات الغزل والنسيج، والزيادة في حجم الدعاية والإعلان والتسويق. وطالب صالح منصور رئيس مكتب النقابة بأن يرتقي الاهتمام بهذا القطاع إلى مستوى ضرورته للاقتصاد الوطني، والعمل على تطويره وتحديثه، وإعطاء العمال مستحقاتهم ومكاسبهم كاملة غير منقوصة، لكي يزداد حرصهم على القطاع العام. وأن يشمل الاهتمام جميع الشركات على حد سواء، حيث يجب توسيع صالات بيع منتجاتها في المحافظات كافة، وإشراكها في المعارض الوطنية والدولية ، للتعريف بهذه الصناعة الهامة والعريقة في سورية.

مؤتمر نقابة عمال الصناعات الكيميائية:

ما تبقى لنا من شركات القطاع العام! 

أول هذه المؤتمرات كان مؤتمر عمال الصناعات الكيميائية، الذي ركَّز على ضرورة الإسراع بإصدار قانون إصلاح القطاع العام دون أي تباطؤ، ودراسة واقع الشركات المتعثرة من موقع المدافع عنها، والحريص على إقلاعها، للحفاظ على عمالها، وإيجاد الحلول المناسبة لأوضاعهم، وضرورة ترك الفوائض لهذه الشركات لكي تستطيع الوقوف على قدميها، والمنافسة مع القطاعات الأخرى، والعمل الجدي لتعديل قانون العمل، بما فيه مصلحة عمال القطاع الخاص.

وفي تقريرها عن الشركات التابعة للنقابة، أكدت المداخلات على ضرورة إجبار القطاع العام بالتعامل مع شركات الصناعات الكيميائية في القطاع العام، والتأكيد على مسألة الانقطاعات الكهربائية المستمرة في الشركات، والتي تؤدي إلى تراجع الإنتاج، في الوقت الذي تتمتع فيه جميع شركات القطاع الخاص بوجود محولات كهربائية لحالات الطوارئ.

وقد صورت المداخلات واقع شركات الصناعات الكيميائية بشكل واضح، فالشركة العامة للمنظفات «سار» مثلاًَ لم تتمكن من تنفيذ خطتها الإنتاجية إلا بنسبة 65%، أما نسبة تنفيذ المبيعات فلم تتجاوز الـ71%، بينما بلغت قيمة المخزون لديها حتى نهاية العام الماضي /912000/ ل.س، وكان اقتراح اللجنة النقابية في الشركة يقضي بتوزيع تعويض طبيعة العمل على عمال الشركة كافة، وتحقيق تطور حقيقي في عملية الدعاية والإعلان عن منتجاتها، وتثبيت العمال المؤقتين، وأن يتم معاملة العمال بكافة الشركات الإنتاجية وفقاً لسنوات الخدمة بدلاً من العمر.

 أما الشركة الطبية العربية تاميكو، فقد بلغت نسبة تنفيذ خطتها الإنتاجية 84% كمية وتسويقية، واستطاعت تنفيذ خطتها التسويقية بنسبة 81% كمية وتسويقية ، وقدرت نسبة التطور فيه بالمقارنة مع العام 2007 بـ 108%، في حين وصلت قيمة المخزون فيها حتى نهاية العام الماضي /393/ مليون ل.س، وبميزان تجاري رابح، وأكدت المداخلات على المنافسة الشديدة التي تواجهها الشركة من /57/ معملاً تابعاً للقطاع الخاص، يسمح لها بإنتاج منتجات الشركة نفسها، بالإضافة إلى منافسة الأدوية الأجنبية التي تدخل إلى البلد تهريباً.

وبالنسبة لشركة الكبريت المتوقفة منذ عام 2000 على صعيد الخطط والإنتاجية والتسويق، فإنها تعاني مشاكل من كل الأنواع، وخسارتها السنوية تقدر بـ 50 مليون ل.س، ولا توفر لعمالها أية سيولة مادية. أما الشركة العامة للدهانات فقد أكدت أن مخزونها يبلغ /16.9349/ ل.س، والميزان التجاري لديها رابح، وتعاني كمثيلاتها من ضعف النشاط التسويقي والتطويري.

 ولا بد من التأكيد على أن التقرير الاقتصادي للمؤتمر قد ركز على ثلاث نقاط رئيسية،

1 - إيجاد البديل في نقص الكوادر المؤهلة فنياً وتسويقياً.

2 - التحقق من زيادة التكلفة، والتي يمكن حلها بالقضاء على نسب الهدر.

3 - وجوب إصدار قانون إصلاح القطاع العام دون تلكؤ.

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 22:32