جديد مسيرة «تطوير» القطاع العام الصناعي: أبطال إنتاج وقيادات نقابية في لوائح «العمالة الفائضة»!!

 بينما كان عمال الشركة السورية للغزل والنسيج في حلب يستعدون للاحتفال بعيد الأول من أيار، أصدرت إدارة شركة الفرات للغزل بدير الزور لوائح بأسماء العمالة الفائضة بناءً على طلب وزارة الصناعة، هذه اللوائح التي جاءت بمثابة الضربة القاضية لجهود الإتحاد العام لنقابات العمال، و بالوقت نفسه استخفافاً بالنضال العمالي، بعد أن حوت اللوائح أسماء قادة نقابيين مازالوا على رأس عملهم!!

والأكثر غرابة في القضية ورود اسم عضو المكتب التنفيذي في الإتحاد العام لنقابات العمال، وعضو المكتب التنفيذي في اتحاد عمال المحافظة، ورئيس مكتب نقابة عمال الغزل في الشركة، وأسماء لأبطال إنتاج في الشركة، إن وجود هذه الأسماء في القوائم إن دل على شيء، فهو يدل على أن من وضع وحضَّر تلك اللوائح  ليس له أية علاقة من قريب ولا من بعيد بكل ما يجري في الشركة، وبالتالي يفضح كل الإجراءات التي جرت على هذه الشاكلة  ضمن شركات القطاع العام، فيما يخص تحديد أعداد العمالة الفائضة والملاك العددي لكل شركة. وما زالت الحقائق تؤكد في الوقت ذاته النتائج السلبية، والدوافع الخفية لكتاب رئاسة مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 22/2/2009 تحت الرقم 1542/1 والمتضمن مطالبة وزارة الصناعة بإرسال قوائم بأسماء من سُمّوا بالعمال الفائضين، ليصار إلى نقلهم إلى الجهات (الإدارية) العامة، في إطار الإجراءات المتخذة لـ«تطوير الصناعة الوطنية».

   وهنا لا بد من طرح مجموعة من الأفكار والتساؤلات، فالقول إن تطوير الصناعة الوطنية يجب أن يشمل القطاعات كافة (القطاع العام والخاص والمشترك) يناقضه الواقع بشكل صريح، فكلنا يعلم أن القطاع الخاص لا فائضاً لديه, وإن وُجد فهو يستغني عنه مباشرة دون أن يحاسبه أحد, والقطاع المشترك انتهى بأغلبه، فلم يبق إلاّ القطاع العام الصناعي وهو المقصود حتماً من كل القرارات التي صدرت, وهو قطاع لا يمكن إلاّ أن يكون منتجاً. ولو قبلنا مؤقتاً أن لديه فائض، فهل الحل يكون بنقله إلى الجهات الإدارية, أم الاستفادة من خبراته وتوسيع القطاع الصناعي المنتج، وبالتالي زيادة الإنتاج؟ لذا فإن التساؤل الأهم هو: هل الجهات الإدارية تعاني من نقص في العمالة؟ وإذا كان ذلك صحيحاً, لماذا لا يجري استيعاب البطالة التي تضرب أطنابها في كل مكان وكل اختصاص؟ وهل من المعقول أن ننقل كادراً فنياً اكتسب خبرته عبر سنوات من الجهد، ونخسره في عمل إداري؟

   ألا يتناقض كل ذلك مع إصلاح القطاع العام والمحافظة عليه، وهو الذي يتآكل منشأةً بعد منشأة، ويرقد في حالة موت سريري  أدخلته الحكومة فيها عمداً. وكما قال أحد النقابيين في معمل السكر: لولا هذا القطاع لما كان أحد من الحكومة في منصبه، ولما كنا نحن قادة نقابيين!!

يبدو أن جميع القرارات والقوانين التي صدرت قد فعلت فعلتها بشكل عكسي في المعامل والشركات الموجودة في المحافظة ومدنها، والواقع الحالي لكل منها أكبر دليلٍ على ما وصلت إليها الأمور، ففي معمل كونسروة المياذين الذي كان من أنجح المعامل في سورية، أدى عدم توفير مستلزمات الإنتاج له من مديرية الصناعات الغذائية ووزارة الصناعة إلى توقفه تماماً، وهو يعيش الآن على السيروم المغذي بانتظار موته نهائياً, ناهيك عن حرمان عماله الكثير من حقوقهم نتيجة التوقف، لتعتبرهم الوزارة من العمالة الفائضة, رغم أنه قد قدمت عدة دراسات شاملة وذات جدوى اقتصادية لإعادة تشغيله وتطويره،  لكن لا حياة لمن تنادي؟!!

 أما معمل السكر بدير الزور فقد تمّ فيه ضرب عُصفورين بحجر واحد كما يقول المثل: الفلاح المنتج, والمعمل وعماله, وذلك بتبديل عروة الشوندر المبكرة الألمانية التي أجريت عليها التجارب الناجحة, بالعروة البلجيكية, فلم يعط الدونم المزروع بتلك العروة أكثر من طن واحد بدلاً من سبعة، بنسبة حلاوة تبلغ 8% بدلاً من 18%، مما أدى إلى تدمير مواسم  الفلاحين دون أن يُعوضوا شيئاً إلى الآن رغم المطالبة!! وبلغت خسارة معمل السكر يومياً حوالي 5 مليون ليرة، فضلاً عن الانعكاسات السلبية على المعمل نتيجة تشغيله على الماء فقط, والتي أدت إلى حرمان العمال من الحوافز والإجازات وغيرها من تعويضات العمل.  والأدهى من ذلك تجربة «الديفيزيون» التي كلفت حوالي 460 مليون ليرة، وفشلت للمرة الثالثة، ويعود سبب فشلها إلى الشركة الدانمركية المنفذة، والتي قبضت 90% من قيمة العقد ولم تنجز شيئاً، وكل ذلك سيؤدي إلى القضاء على المعمل وسيجعل عماله عمالاً فائضين، حسب القرارات الارتجالية التي أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب العمال!!

وبالعودة إلى معمل غزل الفرات، فقد كان هذا المعمل يعمل بأربع ورديات, وبناءً على الكتاب الآنف الذكر من رئاسة مجلس الوزراء, ألغيت الوردية الرابعة وتمّ رفع قائمتين بأسماء عمال اعتبروا فائضين، إحداهما «خُلّبية» كما يصفها العمال، ضمت أسماء بعض العجزة والمرضى للتمويه، والثانية «حقيقية» تضم 427 عاملا من خيرة الفنيين والنقابيين، ومنهم عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام بدمشق برهان عبد الوهاب، واسمه موجود في القائمة التي لدينا، وهذا يتنافى مع قانون التنظيم النقابي للعمل النقابي، والقانون /50/. وقد صرح قائد نقابي، فضل عدم ذكر اسمه، لـ«قاسيون»: إن القائمة قد أعدت بتكليف من إدارة الشركة لاثنين من الإداريين، أحدهم معاون مدير التخطيط الذي كان سابقاً يعمل حارساً في المعمل وآخر لديه عقوبة من التفتيش ويوجد كتاب من الوزير بعدم تسليمه أي عمل،  وأكد المصدر أن أحدهم زور لابنه شهادة ثانوية ووظفه بالمعمل نفسه. مضيفاً أنه وأمام شبح النقل إلى مكان آخر، والحرمان من المكتسبات التي حققها العمال بعرق جبينهم، والخوف الذي تولد مما جرى تداوله حول قانون التأمينات المقترح، والذي يخفض تأميناتهم من 75% إلى 62%، قدم 132 عاملاً منهم استقالاتهم. لتكون النتيجة المرَة حرمان المعمل من خيرة كوادره الفنية التي اتبعت سابقاً دورات خارجية وداخلية على الأجهزة التي رُكبت حديثاً...لا يختلف اثنان بأنه لا توجد طريقة أفضل من هذه الطريقة لتدمير القطاع العام الصناعي، وليس لتطويره كما تدّعي الحكومة !!

   كما صرح محمد الياس عضو مكتب نقابة الغزل في الشركة لـ«قاسيون»: إن كل الأخطاء التي ارتكبت تم مناقشتها في المؤتمر، ومع ذلك لم يتغير شيء، مؤكداً أن وزارة الصناعة ومنذ سنتين تثير قضية العمالة الفائضة دون أية معطيات، وان الوزارة لم تكلف نفسها مجرد السؤال عن الأسماء التي أرسلت إليها، وتصرفت حسب اللائحة. ودحض الياس المبررات التي قدمها متخذ القرار حين أكد وجود لائحتين، مشيراً أن المعمل ليس لديه الملاك العددي، وهذا يؤكد إننا بحاجة إلى العمالة.

إنّ كل هذه الإجراءات الحكومية, والممارسات الإدارية تؤكد أن الغاية ليست تطوير القطاع العام الصناعي، وإنما تدميره!! وهذه الإجراءات والممارسات لا تنعكس على العمال فقط, وإنما على الدخل الوطني وعلى اقتصاد الوطن ككل, و على الشعب وأمنه الغذائي والاجتماعي, وعلى المواقف الوطنية التي يعتبر القطاع العام سندها الأساسي. وهنا ننوه بأن البعض من المتملقين لا يزال يدافع عن الحكومة، ويتهمنا بأننا نتهجم عليها!!

في المقابل فإن أغلبية أفراد الشعب قد باتت تدرك أن كثيراً مما تقوم به الحكومة من إجراءات هو تنفيذ لأجندات الصندوق والبنك الدوليين، والليبرالية العالمية المتوحشة، وحلفائها من ليبراليي الداخل، ومن تشابكت مصالحهم معهم!!

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستمر هذه الإجراءات مرور الكرام على الاتحاد العام لنقابات العمال ؟ أم ستكون البداية لتحرك عمالي منظم يضع حداً لكل هذه التطاولات؟!!

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:03