قانون العمل وعدم توافقه مع الدستور
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

قانون العمل وعدم توافقه مع الدستور

في أية دولة من دول العالم يعتبر الدستور هو القانون الأسمى والأعلى في الدولة، وبالتالي يجب على المشرع عندما يعمد إلى إصدار أي قانون أن يراعي مدى دستوريته ومدى توافقه مع الدستور نصاً وروحاً, أما عند إصدار دستور جديد فتعتبر القوانين التي تخالفه باطلة بطلاناً مطلقاً، ويجب على السلطات التشريعية في البلد العمل على تعديل قوانينها بما يتوافق وأحكام دستورها الجديد ..

 

من هنا يعد قانون العمل رقم 17 الصادر عام 2010 من الناحية الدستورية قانون غير دستوري، لتعارضه الواضح مع أحكام الدستور الجديد الصادر عام 2012، الذي نص في المادة  (44) منه على حق الإضراب عن العمل, بينما قانون العمل المذكور لم ينص على حق الإضراب, بل وذهب أبعد من ذلك إلى إعطاء صاحب العمل حق التسريح التعسفي, وبالتالي يعتبر هذا القانون غير دستوري، والأحكام التي تصدر وفقه باطلة بطلاناً مطلقاً، وبالتالي لا يترتب عليها أي أثر قانوني, مما يستوجب إعادة النظر فيه وتكييفه وفق أحكام الدستور.

ولكن إلى الآن، وبالرغم من مرور 4 سنوات على صدور الدستور الجديد، لم تقم السلطات التشريعية بدراسة مدى دستورية قوانينها وتعديلها، وخصوصاً تلك المتعلقة بمعيشة العمال وحقوقهم، والأخطر من ذلك أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والقضاء السوري مازالوا ينفذون مواد ذلك القانون، مع أنهم يملكون الصلاحية الكاملة لرفض تنفيذها.

مواد تتعارض مع الدستور

المادة رقم 96 من القانون المذكور، والتي تعارض الدستور معارضة صريحة وواضحة، ففي الفقرة (ز) نصت على ما يلي: (يمنع على العمال جمع النقود أو التبرعات أو توزيع المنشوارت أو جمع التواقيع أو تنظيم الاجتماعات داخل مكان العمل دون موافقة صاحب العمل)!!, أي يحظر على العمال ليس فقط الإضراب وإنما منعوا من تنظيم أي اجتماع داخل مكان العمل مهما كان نوعه أو طبيعته!!

من جهة أخرى تعد المادة  64 من القانون نفسه، والتي سمحت لصاحب العمل بالتسريح التعسفي, سيفاً مسلطاً على رقاب العمال، فهي تسلب العمال أي حق يعطيهم إياه القانون، حتى لو نص قانون العمل على حق الإضراب صراحة, حتى الحقوق التي يدعي المشرع بأنه أعطاها للعمال في هذا القانون تبقى حبراً على ورق بسبب هذه المادة, وبهذا تعتبر هذه المادة معارضة للدستور نصاً وروحاً فهي تأخذ من العمال بالشمال ما أعطته باليمين.

أسباب موجبة لماذا؟

من ناحية أخرى تعتبر الأسباب الموجبة لأي قانون هي البوابة الرئيسية لفهمه وفهم إرادة المشرع وقصده من وراء إصداره للقانون, وعند العودة إلى الأسباب الموجبة للقانون رقم 17 تحدث المشرع أن القانون الجديد يحقق الانسجام والتوافق مع العديد من التطورات الاقتصادية والاجتماعية المستجدة على المستوى المحلي والعربي والإقليمي, ويلبي طموح العمال وأصحاب العمل بما يخدم المصلحة الاقتصادية العليا للدولة, ولكن هل التطورات الاقتصادية التي تحدث عنها المشرع، والتي جاء القانون على ذكرها، كانت لحساب الطبقة العاملة، أم على حسابها؟ وخصوصاً أن المشرع يريد أن يقول صراحة: أن عليه مسايرة موجة الليبرالية الاقتصادية التي اجتاحت المنطقة والعالم والتي أفقرت الملايين, ألا يعارض هذا نص الدستور الجديد أيضا حين نص عن العدالة الاجتماعية؟

المشرع ذكر صراحة أن قانونه الجديد مستمد من ضوء التشريعات العربية والغربية الحديثة، وذكر منها قانون العمل المصري والتونسي والفرنسي، وكأن الطبقة العاملة في هذه الدول نالت حقوقها وتعيش في أزدهار ورفاه دائم!! ولا تعيش هذه الدول اليوم حالات غليان في الشوارع, فمن تونس التي شهدت أولى الانتفاضات في البلدان العربية بسبب البطالة، إلى مصر التي شهدت انتفاضتين متتاليتين، إلى الفرنسيين الذين يخرجون اليوم بمئات الألوف ضد قانون العمل الجديد الذي ينص على التسريح التعسفي.

ملائمة بعيداً عن المصلحة

هذا وقد ختم المشرع في أسبابه الموجبة لإصدار هذا القانون، أن الفكر القانوني السوري يسعى لموائمة التشريع الوطني مع الاتفاقات والتشريعات الدولية ذات العلاقة، والتي التزمت بها حكومة الجمهورية العربية السورية، من هنا يتبين أن الهدف الحقيقي للقانون هو ملائمة القوانين السورية مع شروط البنك الدولي وتوصياته والاتفاقات سيئة الصيت المعقودة معه، والتي أفقرت ودمرت بلاداً بأكملها, وليست مصلحة الطبقة العاملة أو المصلحة الاقتصادية العليا للبلاد كما ادعى المشرع .

 

آخر تعديل على الأحد, 10 تموز/يوليو 2016 00:33