هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

تحركات عمالية بدأت كي تستمر

تسارعت وتيرة التحركات العمالية في القطاع الخاص غير المنظم (كما توقعناه مسبقا) باتجاه المطالبة الجدية برفع الأجور وكانت (قاسيون) حاضرة في بعض منها من خلال متابعتها لهذا القطاع وسعيها لرصد تلك التحركات المهمة، وسنضيء في هذه المادة على عدة تحركات تاركين للأخرى مساحة في أعداد لاحقة.

 

عمال بلا تعويض معيشي

يفيد التذكير بداية بأن القرار الحكومي الأخير برفع أسعار المحروقات، وما تلاه من مرسوم التعويض المعيشي، قد شمل القطاع الخاص غير المنظم (العمل الحر) بالإجراء الأول فقط واستثناه من الثاني، فرأى عماله الذين يعتبرون الشريحة الأوسع من الطبقة العاملة أنفسهم في وضع كارثي أسوأ من قبل، لا يمكن التخفيف من وطأته دون تحرك ذاتي ينتزع العمال من خلاله زيادة على أجورهم تكون بالحد الأدنى مساوية للتعويض المعيشي الذي شمل القطاع المنظم ومُنع عنهم بلا أي مبرر.

مطالبة بالتوقيت المناسب

في أحد معامل الحلويات، الكائن في منطقة القزاز، لم يجد العاملون فيه وعددهم 17 عاملا وعاملة ممانعة كبيرة من رب عملهم في مطالبتهم برفع الأجور، فخمسة أيام من التهديد والوعيد بالتوقف عن العمل كانت كفيلة بانتزاع 35% زيادة على الأجور لجميع العاملين هناك، من أمهر المهنيين فيهم لأصغر (حويص) وكما صرح لنا «زياد»، وهو الناطق الرسمي باسمهم والمفوض عنهم، بأن نجاحهم بانتزاع الزيادة جاء نتيجة تجارب سابقة تعلموا من خلالها التفاوض الجماعي مع رب العمل، وخبروا بتجربتهم الشخصية اختيار الوقت المناسب لتحركهم، وأضاف «شغلتين ساعدونا هالمرة؛ أول الشي أنو الزيادة فيها مرسوم، والثانية أنو العيد قريب والمعلم بحاجتنا، فإذا ما أخذنا الزيادة بهالوقت فبعد العيد مستحيل نحصل شي أبدا».

التأمينات (فزاعة) لأرباب العمل

تحرك آخر في أحد معامل الجوارب، في مجمع الزبلطاني الصناعي، حيث اتفق العمال فيما بينهم، وعددهم  16عاملاً وعاملة، على المطالبة الفورية بالزيادة بحدود الـ 40%، ولكن رب العمل لم يتجاوب مع تلك المطالب متحججا بعدم وجود إمكانية لذلك «مو موفية معي، كتر خير الله أنو لساتنا عم نشتغل وانشغلكم»، فقام العاملون هناك بحساب التكاليف والأرباح والأجور، ووضعوا الأرقام أمام رب العمل كي يثبتوا له عدم صحة كلامه، فغضب كثيراً وقال لهم: «ما بقى غير تشاركوني بالربح, زيادة أجرة ما في! اللي عجبوا أهلا وسهلا واللي ما عجبوا الله معوا، بدل الواحد بجيب عشرة»، فقام العمال على أثرها بتهديده بتوقيف الآلات وخطوط الإنتاج إن لم يرضخ لطلب الزيادة، فزاد إصراره على موقفه مهدداً بطرد أي عامل يتوقف عن العمل أو يوقف آلة، فقرر العمال أن يذهبوا جميعا للتأمينات الاجتماعية لتقديم شكوى رسمية ضده كونه لم يسجل أي من عماله في التأمينات، وخاصة أن هناك بعض العمال يشتغلون لديه منذ أكثر من عشر سنوات، مما سيضعه في موقف صعب لن يخرج منه سوى بخسائر كبرى، والمثير في الأمر بأن العمال اتفقوا على تسريب خطتهم لرب العمل، وما إن علم بنية العمال بتقديم شكوى عليه حتى جن جنونه وبدأ يتصل بعماله تباعاً، طالباً منهم التفاوض على نسبة الزيادة، فانتزع العمال نسبة 30% زيادة (وهو عم يضحك ويلعب).

إضراب صغير والتمويل ذاتي

في أحد مشاغل خياطة (الألبسة الولادي) بعشوائيات نهر عيشة لم تنجح محاولات العمال، البالغ عددهم 9 عاملين، بإقناع صاحب المشغل بزيادة الأجور، رغم تواضع النسبة التي اقترحوها والتي لا تزيد عن 30%، وكاد اليأس أن يسيطر عليهم لولا أنهم استشاروا أحد العمال النقابين، والذي بدوره أرشدهم لخطوات عديدة يمكن لهم من خلالها أن ينتزعوا الزيادة المطلوبة كاملة، فاتفقوا أن يُضرب اثنان من العمال الأساسيين العاملين على مكنات الدرزة عن العمل، على أن يقتطع باقي العمال نسبة من أجرهم الأسبوعي للعاملين المضربين، الذين سيتوليان مسؤولية التفاوض مع صاحب المشغل عن الجميع دون استثناء، وهذا ما حصل فعلاً حيث تراجع الإنتاج وتعطلت أهم مرحلة من مراحله، فأجرى رب العمل اتصالاً مع العاملين يستوضح سبب إضرابهما وبأنه مستعد لإعطائهما زيادة، فرفضوها إن لم تشمل الجميع، واستمر الأخذ والرد عدة أيام قبل أن يوافق صاحب المشغل على زيادة 20% تشمل أجور الجميع ووعدهم بزيادة أخرى بعد عيد الفطر، إن بقيت الأسعار ترتفع.

الدولة تتخلى عن دورها تدريجياً

يتوقف نجاح أي تحرك عمالي مطلبي على عوامل كثيرة يمكن تلمسها من خلال متابعة التحركات الأخيرة ولعل أهم ما يبرز من عوامل هو دور الدولة في الحياة الاقتصادية الاجتماعية، فكلما كان الدور أعلى كلما تعززت إمكانية الوصول للحقوق العمالية، فبرغم عدم تشميل عمال القطاع غير المنظم بمرسوم التعويض المعيشي، إلا أنه كان مرتكزاً هاماً في التحركات كلها، وهذا ما يجعلنا كطبقة عاملة وكحركة نقابية ندافع بشكل مستمر عن دور الدولة في الحياة الاقتصادية الاجتماعية، هذا الدور الذي تراجع ومازال منذ تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أخذت من دور الدولة ورمت به لحيتان المال والناهبين والمتاجرين بعرق العمال ودمائهم.