في ضوء النقاشات حول مشروع قانون العمل الجديد: ما طبيعة العلاقة بين الحكومة والنقابات؟!

أشهر طويلة مرت على الإعلان عن البدء بإعداد قانون جديد للعمل، ومنذ ظهور التسريبات الأولى لمضمونه إلى العلن، أثار عاصفة من النقاشات والحوارات والأخذ والرد. ويمكن تلخيص القراءة العامة لهذه النقاشات وطبيعتها، في أن النقابات الممثلة للطبقة العاملة ترى أن هذا المشروع يحتوي على نصوص إشكالية تحقق مصلحة أرباب العمل على حساب مصالح الطبقة العاملة، وفي أن الدوائر الحكومية تتجاهل كل انتقادات النقابات العمالية التي تعتبر الممثل الشرعي للطبقة العاملة، وكل انتقادات الصحافة وملاحظاتها، وتسعى لتمريره دون أي تعديل.

وبصرف النظر عن مضمون المواد الخلافية في هذا القانون، وعن مدى صوابية رؤية الحكومة من جهة، والنقابات من جهة أخرى. فإن فحوى هذه النقاشات يوحي بخلل كبير في استيعاب المفهوم الأساسي لقوانين العمل، وفي استيعاب دور النقابات وموقعها الفعلي في أي مجتمع.

إذا كان قانون العمل يعني في مفهومه الأساسي النصوص التي تنظم سوق العمل في البلاد، وتحدد حقوق وواجبات العمال وأرباب العمل، فإن دواعي سن قانون كهذا ليست صيانة مصالح أرباب العمل دون شك، لأن أرباب العمل هم الطرف الأقوى في المعادلة، وهم القادرون بحكم قوتهم الاقتصادية على فرض شروطهم على العمال. أي أن تنظيم سوق العمل بقانون، يهدف إلى حماية العمال بالدرجة الأولى، وتأمين التوازن بينهم وبين أرباب العمل. أولاً لضمان حقوق العمال، وثانياً للحفاظ على تطور وارتقاء الإنتاج وعلاقاته في البلاد دون استعصاءات أو اضطرابات.

وبناء على ما تقدم يكون العمال هم المعنيين أولاً بصياغة هذا القانون وضبط نصوصه، وهم لا يقومون بذلك بشكل مباشر بكل تأكيد، وإنما من خلال نقاباتهم وممثليهم في السلطة التشريعية، بحيث تصاغ نصوص القانون في ضوء ملاحظات هؤلاء النقابيين والنواب، وفي ضوء حاجات سوق العمل المتطورة دائماً، وتعد هذه المهمة الموكلة إلى الممثلين الشرعيين للعمال من أبرز المهام وأكثرها حيويةً.

وهكذا فإن تمرير الحكومة لمشروع القانون، وتحويله إلى لجان مجلس الشعب لدراسته دون أي تعديل، ضاربة عرض الحائط بكل ملاحظات ومطالعات النواب والقادة النقابيين المعارضين لهذا المشروع، يعني أحد احتمالين:

إما أن هذه الحكومة تسعى لإملاء القانون وفرضه على الطبقة العاملة والمجتمع، وهو أمر مخالف للأصول الدستورية، ولمفهوم القانون الذي يجب أن يعكس حاجات المجتمع، لا رؤية أشخاص أو مؤسسات أو حتى شرائح دون غيرها لما يجب أن يكون عليه القانون.

وإما أن هذه الحكومة لا تعترف بالنقابات ودورها الحيوي في سن القوانين لحماية الطبقة العاملة والمجتمع كله، وهنا نكون في مواجهة مشكلة أخطر تتعلق ببنية جهاز الدولة، وبنية النقابات، وطبيعة العلاقة بينهما.

يجب أن تلعب النقابات دور القيادة والتمثيل الحقيقي للطبقة العاملة، ويجب أن تمتلك  الأدوات والإمكانات اللازمة للقيام بهذا الدور. كما إنه يجب على السلطة التنفيذية التعاون مع هذه النقابات، واحترام دورها. وبهذا فقط تنشأ بين الطرفين علاقة تفاعلية تصب في مصلحة البلاد كلها، وتكون حصيلتها بوصلة السلطة التشريعية عند مناقشة وإقرار قوانين العمل. أما في ظل ظروفٍ ونقاشاتٍ من طبيعة تلك التي رافقت إعداد قانون العمل الجديد، وبصرف النظر عن الصيغة النهائية التي سيصدر بها هذا القانون، فالنتيجة أن القانون لن يكون معبراً عن مصالح الطبقة العاملة، ولن يدفع أوضاع العمال، وبالتالي عملية الإنتاج في البلاد، إلى الاتجاه الصحيح الذي نريده جميعاً.

■ نجوان عيسى