عن المعيشة وموسميي البصل
تحولات كبيرة شهدها الاقتصاد السوري في الأيام القليلة المنصرمة، بدءاً من ثبات سعر الصرف، والذي لم يدم سوى عدة أيام، وحتى القفزة التراجيدية لأسعار الاتصالات الخلوية، ومن ثم المحروقات، وما تلاها من ارتفاع سعر كل شيء تقريباً.
المواطن اعتاد أن يستقبل الزيادات بتوجس أكثر وامتنان أقل، إذ باتت أية زيادة على الدخل تعني أنه أمام قفزة جديدة في الأسعار تكتسح الأخضر واليابس، فإذا كانت مظلمة رفع الأسعار قد طالت الجميع فإن «مكرمة» زيادة التعويض المعيشي لم تفعل، ما أثار كثيراً من اللغط وخلق حالة من الاستياء والسخط.
للمرة الثانية
فتعويض المعيشة الذي لم يكن طوق نجاة بالنسبة للمواطن السوري المثقل بالأعباء والمسؤوليات، لكنه كان أفضل من لا شيء في ظل توحش الأسعار، ذلك «اللاشيء» الذي كان من نصيب شريحةٍ واسعة من العمال غير المثبتين العاملين بعقود موسمية ويومية، والذين سبق أن حرموا من تعويض المعيشة البالغة 4000 ليرة، ليفاجؤوا اليوم بأن الزيادة على هذا التعويض لم تشملهم أيضاً، مع أنهم في أمس الحاجة إلى أي قرش يساند رواتبهم الهزيلة.
لأنهم موسميون
خير مثال اليوم هو حال العمال المؤقتين في شركة تجفيف البصل، فهم أربعة عشر عاملاً مؤقتاً، ومع أن عقودهم تنص على أن طبيعة عملهم موسمية إلا أنهم يعملون على مدار العام دون توقف، ويدفعون تأميناتهم كاملة، مع ذلك فإن مطلب تحويل عقودهم إلى سنوية لم يلق آذاناً صاغية، ما قاد إلى حرمانهم من تعويض المعيشة الذي ناله أغلب العاملين في الدولة سابقاً، فبعد أن حصلوا عليه للمرة الأولى تراجعت الإدارة عن منحه وقامت بخصمه من أجورهم من جديد.
اليوم تكررت المعاناة مرة أخرى، فرغم توسيع نطاق الذين يشملهم التعويض فإنه لم يطل العمال الموسميين، لتكون حصيلة ما حرموا منه في التعويضين ما قيمته 11500 ليرة، أي ما يساوي قيمة الراتب تقريباً (والبالغ في أحسن الأحوال 15000 ليرة).
بأي ذنب؟
حرمان يأتي بالتزامن مع ارتفاع الأسعار الجنوني والذي راكم مزيداً من الحنق والغبن في نفوس العمال الموسميين، فبأي ذنب يحرمون من تعويض يفترض أن ينتشل مرتباتهم من القاع، وخصوصاً حين يعملون كما يعمل العمال في العقود السنوية، ويتقاضون ما يتقاضاه عمال العقود الموسمية؟
و وعود
العمال قصدوا الإدارة وممثليهم في النقابات لكنهم لم يجنوا للأسف غير الوعود في أحسن الأحوال، فالمجلس الإنتاجي لم يأت بجديد، ولم يتبق للعمال سوى أن ينتظروا وعوداً بتعديل المرسوم.
لا حياة لمن تنادي
أغلبية العمال الموسميين في المعمل نقلوا إلينا استياءهم واعتزامهم ترك المعمل والبحث عن بديل، إذا لم تأت الأيام القادمة بجديد خلال الفترة التي تسبق عيد الفطر، فهل تأخذ الإدارة قرارهم على محمل الجد؟ مع العلم أنهم ينهضون بالقسم الأعظم من أعباء المعمل، ومنهم من يعمل منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، أم يستمر التسويف والمماطلة، على مبدأ لا حياة لمن تنادي؟!.