عمال التحميل (العتالة) في مؤسسة عمران السويداء: نضالات شاقة.. ومعاناة كبيرة
يومياً وعلى مدار السنة، وفي مختلف الأحوال الجوية، تجدهم بالعراء وكخلية النحل يهرعون نحوه شاحنات الاسمنت، أمام مؤسسة عمران السويداء، لتفريغها في المستودعات، أو لتحميلها على الشاحنات الصغيرة المتوجهة نحو مشاريع البناء الجديدة في مختلف أنحاء المحافظة، العرق يتصبب من جباههم، وغبار الاسمنت الأسود حول عيونهم وشفاههم، يرفعون أكياس الاسمنت الثقيلة كلعبة أطفال إلى أكتافهم العارية التي أصبحت بعد سنوات العمل الطويلة كخف الجمل. وفي أذهانهم يدور أمرٌ واحد: قوت عيالهم وأطفالهم، لاأكثر من ذلك أبداً. فأجرهم ومهما نقلوا من أطنان يبقى عند الحد الأدنى أو أقل، هذه حال اثنين وأربعين عاملاً متعاقدين عبر نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين، مع مؤسسة عمران، يشرف على عملهم وتنظيمه مندوب، يقوم بتوزيع العمل على ست مجموعات، في كل منها سبعة عمال، يتناوبون فيما بينهم ضمانة لاستمرارية وعدالة توزيع العمل.
ومنذ عدة سنوات، قامت المؤسسة بإلغاء التعاقد القديم الذي كان يتجدد تلقائياً، وأجرت مناقصة لتلزيم العمال لمتعهد خاص، كان هو نفسه الذي يقوم بدور مندوب العمال، وكانت أجور التحميل والمناولة /50ل س/ للطن وأجور التنزيل / 18,90/ ل.س للطن، وفي السنة التالية رسا التعاقد على متعهد جديد، حيث عمل على استبدال العمال القدماء، الذين أمضوا سنوات طويلة في العمل، بآخرين من خارج المحافظة، مما أحدث مشكلة كبيرة، واضطر العمال، من أجل أن يحافظوا على مصدر رزقهم الوحيد، للوقوف بقوة ضد هذا الإجراء التعسفي، والاعتصام في مكان العمل ومنع المتعهد الجديد وعماله من أخذ مكانهم، واستدعى ذلك في حينه تدخل القوى الأمنية، للسيطرة على الوضع، حتى لا يتطور إلى ما هو أسوء، وتلخصت مطالب العمال بما يلي: إلغاء طريقة التعهد الخاص، وذلك بالعودة إلى التعاقد عن طريق النقابة، وتحسين أجورهم، والتأكيد على حقهم بالتأمين الشامل، واعتبارهم عمالاً دائمين أسوة بعمال القطاع العام.
وتمكن العمال حينها بتضامنهم ونضالهم، أن يجعلوا التعاقد عن طريق النقابة حصرياً، لكن الأمور تغيرت حيث أصبح العقد يجدد سنوياً، وعندما صدر المرسوم الجمهوري بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 25% بقيت أجورهم على حالها، معللين ذلك في حينه بان العقد السنوي يبقى ساري المفعول لحين نهاية مدته، وعندما أبرمت العقود الجديدة، وبدل أن ترتفع أجرة تحميل الطن الواحد حسب نسبة الزيادة إلى 75 ل.س، تم رفعها إلى 70 ل.س فقط، ورفع سعر التنزيل ليرة واحدة فقط تقريباً، أي أنه أصبح 20 ل.س.
إن معاناة هؤلاء العمال هي مثال بسيط عن معاناة العشرات من أمثالهم في المؤسسات الاخرى، فهم يستفيدون فقط من التأمين ضد إصابات العمل، ولا يطالهم التأمين الشامل، وهم في حقيقة الأمر مهددون في كل لحظة بفسخ عقودهم، أو عدم تجديدها، ولهذا فقد قاموا برفع دعوى قضائية أمام المحاكم المختصة، للحصول على حقهم في التثبيت في عملهم، وقد أصدرت المحكمة قراراً لمصلحتهم، لكنهم فوجئوا في ما بعد باستئناف الحكم، وهم ينتظرون الآن قرار الاستئناف وكلهم أمل بان ينصفهم القضاء ويعطيهم حقوقهم المشروعة أسوة بباقي عمال القطاع العام، ويثبتهم في عملهم.
ان معركة هؤلاء العمال من اجل لقمة الخبز، ومن اجل حقهم الطبيعي في الحياة الكريمة، تتطلب من النقابات العمالية وكل المعنيين، مؤازرتهم والدفاع عنهم، فمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم وأطفالهم يجب أن لا يبقى مرهوناً بالظروف والأهواء، فهم بغالبيتهم يعملون في هذه المؤسسة منذ أكثر من عشر سنين، وساهموا مساهمة مباشرة في هذه النهضة العمرانية في المحافظة.
فكل كيس من الاسمنت حمل قطرة عرق من جباههم، أو قطرة دم من أكفهم، وقد أثبتت كل السنوات الماضية أنهم كانوا مخلصين في عملهم ومواظبين عليه، ويريدون لمؤسسة عمران أن تكون مؤسسة رائدة، فهم مرتبطون بها ويهمهم مستقبلهاويخشون أن تفعل بها يد الفساد ما فعلت بجارهم معمل أحذية السويداء،الذي أصبح مأوى للجرذان والقوارض،بعد أن توقفت خطوط انتاجه عن العمل، وغاب عنه عماله المهرة، لكن مايدعو للأمل هو هذا الوعي العالي عند هؤلاء العمال العتالين وهذا التضامن الذي وحد كلمتهم في الدفاع عن مطالبهم وحقوقهم المشروعة، وهو ما سيجعلهم ينتصرون في النهاية.
■ مراسل قاسيون، السويداء