بصراحة: في ذكرى تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال: الحركة النقابية بين الأمس واليوم
تمرُّ الذكرى الثانية والستون لتأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غمرة الصراع على مشروع قانون العمل الجديد بوصفه بديلاً للقانون /91/ لعام 1959، وهذا الصراع يذكر بما عانته الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية من أجل سن التشريعات الضرورية لتثبيت حقوقها. ولكن الاختلاف الواضح بين تلك المرحلة وهذه المرحلة أن الطبقة العاملة وحركتها النقابية كانت تدير الصراع مع أرباب العمل وممثليهم استناداً لقوتها الفعلية المتمثلة في الضغط على تلك الحكومات من خلال استخدام حقها في الإضراب، حيث كانت تهدد به وفي الوقت نفسه تتقدم بالمطالب. لذا استطاعت الحركة النقابية أن تنتزع حقوقها تلك (حقها في التنظيم والتشريع وأجور عادلة وضمان اجتماعي) بفعل قوة تنظيمها وسرعتها بالرد المباشر على كل إجراء ينتقص من حقوقها، ليس هذا فقط بل أجبرت البرجوازية على الجلوس معها على قدم المساواة استناداً لموازين القوى السائدة آنذاك، مع العلم أن الحركة النقابية والعمال لم يكن لهما ممثلون في المجلس النيابي ليطرحوا مطالبهم، ويدافعوا عنها، كما هو واقع الحال الآن، حيث أن 51 % من أعضاء من مجلس الشعب يفترض أنهم يمثلون العمال والفلاحين، وعلى الرغم من هذا تستطيع الحكومة تنفيذ مشاريعها كما هو حاصل مع قانون العمل الجديد، مما يطرح تساؤلاً مشروعاً عن حقيقة تمثيل هؤلاء الأعضاء للعمال والفلاحين؟!
إن واقع الحال يطرح علينا تساؤلاً إضافياً عن العوامل والظروف التي كانت تمر بها الحركة النقابية سابقاً، وجعلتها قوة أساسية يحسب لموقفها حساب، والآن تمرُّ الأمور بسرعة مع القليل من الضجيج وكفى الله المؤمنين شر القتال!!
نعتقد أن العامل الهام والأساسي الذي مكَّن الطبقة العاملة والحركة النقابية من مقاومة المشاريع التي تنتقص من حقوقها هو استقلالية قراراها أولاً، النابع من علاقتها الوثيقة بالطبقة العاملة، وهذا لم يأت من فراغ، بل جاء بفعل المعارك الكبيرة التي خاضها العمال والنقابات معاً، وتاريخ الحركة العمالية والنقابية في سورية يؤكد ذلك، وثانياً استطاعت الحركة النقابية أن تعزز وحدتها بعد أن كانت النقابات تعمل وتناضل منفردة، وكان الانجاز الكبير الذي لعبته نقابات دمشق بعد تأسيس اتحادها عام 1934، أن وجهت دعوات إلى كل النقابات في المدن الرئيسية، واستجابت لها النقابات، وتمَّ الإعلان عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في 18 آذار 1938، حيث كان هذا الإعلان تتويجاً لكل النضالات السابقة في مواجهة القوى البرجوازية التي كانت تسعى لبقاء النقابات غير موحدة، وغير فعالة، وهذا ما تحاوله الآن قوى السوق، مع اختلاف الأساليب والطرق المتبعة، فهي اليوم تقوم بالهجوم الواسع على مكتسبات العمال وحقوقهم، عبر القوانين والأنظمة التي تصدرها الجهات التشريعية، قاصدةً بذلك دق إسفين بين الحركة العمالية والحركة النقابية باعتبار النقابات مقيدة الحركة ومصادرة القرار، وباتت عاجزة عن الرد على الهجوم الذي تشنه قوى السوق وممثليها الحكوميين على حقوق العمال.
لقد جرى تجريد الحركة النقابية من أهم أسلحتها الفعالة التي يمكن من خلالها أن تعدل من موازين القوى مع الرأسمال، والذي دون إقراره كأحد الأدوات النضالية لن تستطيع الحركة النقابية المواجهة، وبالتالي ستنجح القوى الأخرى في تعميق الهوة بين النقابات والعمال، وفي ذلك خسارة كبيرة للحركة النقابية التي من المفترض أن يشتد ساعدها وتقوى بعمالها مع اشتداد الهجمة الشرسة.
إن الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال لا يعني كلمات التصفيق، بل لابد من استحضار كل التاريخ النضالي المجيد للطبقة العاملة السورية وطلائعها ونقاباتها الذين قدموا تضحيات جسام للدفاع عن الوطن يوم كان الوطن تحت الاحتلال.
فتحيةٌ للطبقة العاملة التي ضحت من أجل الوطن ومن أجل حقوقها.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.