بصراحة: لماذا لا يقبل العمال على العمل النقابي؟!
منذ تأسيس أول نقابة عمالية منفصلة عن النقابات المشتركة مع أرباب العمل، كان الهاجس الأول للنقابيين الأوائل استقلال نقاباتهم في كل شؤونها، وهذه الاستقلالية كانت القاعدة المتينة التي استندوا عليها في تطوير نضالاتهم العمالية من أجل أجورهم، ومن أجل ثماني ساعات عمل، ومن أجل تأمين شيخوختهم. فخاضوا نضالاتهم تلك انطلاقاً من وعيهم لمصالحهم الأولية التي تشكلت بفعل التجربة المريرة التي عاشها العمال قبل هذه المرحلة (الاستقلالية)، والتي تطور فيها هذا الوعي بعد تلك المرحلة بفعل عوامل عدة، وأهمها تطور الصناعة من الحرفة اليدوية إلى الآلة، ودخول قوى وأفكار جديدة سلحتهم ببرامج، وكانت على رأس نضالاتهم بمختلف مراحلها، حيث ساهمت تلك العوامل مجتمعة بالانتقال إلى مراحل نضالية متقدمة، مثل الإضرابات والاعتصامات العمالية الشاملة التي كانت تحدث في كل المدن الصناعية، والتي لعب فيها المناضلون الشيوعيون الأوائل دوراً ريادياً في قيادتها وتحقيق الوحدة العمالية، وخلق أشكال مختلفة من التضامن فيما بين العمال المضربين، فإذا أضرب عمال حمص تكونت صناديق المساعدة من تبرعات عمال دمشق وحلب لدعم ذاك الإضراب مهما طال أمده، وبهذا تكون التكافل والتضامن بين أبناء الطبقة العاملة السورية، وأصبحوا قوة وطنية أساسيه تناضل ليس من أجل حقوقها فقط، بل من أجل الدفاع عن الوطن أيضاً.
أي أن قوة الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية لم تأت من فراغ، بل ولدت في خضم المعارك الوطنية والطبقية التي خاضتها إلى أن وصلت لمرحلة استطاعت فيها انتزاع حقها بقوانين عمل لبَّت إلى حدٍ ما جزء اًأساسياً من حقوقها، ونظمت علاقاتها مع أرباب العمل.
إن الغرض مما طرحناه ليس استعراض تاريخ الطبقة العاملة النضالي، فهذا يحتاج لمراكز أبحاث وطنية متخصصة تقوم بهذا العمل، ولكن ما نود من ذلك هو أن نتساءل: لماذا تغير مزاج الطبقة العاملة وحركتها النقابية من دور الفاعل في الأحداث لتحقيق مصالحها، إلى دور المفعول فيه ضد مصالحها؟!
لقد جرى تطور كبير في واقع الطبقة العاملة من حيث عددها ومستواها التعليمي والمهني وتجمعها في منشآت صناعية كبيرة نسبياً، خاصةً منذ تأميم المعامل في عهد الوحدة وإلى الآن، وتوسع التنظيم النقابي في مهن جديدة لم تكن موجودة سابقاً وتعتمد التكنولوجيا المتطورة في الصناعة، وجرى تبني الأفكار الاشتراكية وصدور قانون التنظيم النقابي... إلخ. حيث انعكست تلك التطورات إيجابياً على واقع الطبقة العاملة، من حيث استقرار أجورها وتناسبها إلى حد ما مع الأسعار الرائجة في تلك المرحلة التي رفع فيها شعار «المعامل للعمال»، وأن سورية في مرحلة الانتقال للاشتراكية، بينما واقع حال علاقات الإنتاج ليس كذلك، فقد كانت تسير باتجاه معاكس لتلك الشعارات المرفوعة، والتي مازالت متضمنة في قانون التنظيم النقابي /84/ والعديد من الوثائق الأخرى، مما خلق تناقضاً بين ما هو مرفوع من شعارات وما يمارس على الأرض من إجراءات تجاه كل انجازات تلك المرحلة اقتصادياً واجتماعياً، وتعمقت تلك التناقضات أكثر مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي جوهره اقتصاد السوق فقط، وما رافقه من إجراءات، وما طرح من سياسات اقتصادية شككت في بدايتها بجدوى ما أنجز وما يتحقق، إلى حد أن القطاع العام لم يعد قادراً على تحقيق النمو المطلوب.
ومع كل تلك التبدلات المؤلمة التي جرت من الضروري أن تقوم النقابات بمراجعة حقيقية تمكنها من إعادة دورها الريادي التي كانت تقوم به من أجل مصالح الطبقة العاملة، والدفاع عن الإنجازات التي كانت شريكة حقيقية في تحقيقها، دون أن تكبل نفسها ومن طرف واحد بشراكة لا يرغب بها الطرف الآخر، إن تجاوز هذا الوضع سيردم الهوة بين الطبقة العاملة والحركة النقابية. إن السياسات الاقتصادية التي سارت بها الحكومة وانعكاسها على حقوق العمال ومصالحهم، وعدم استجابة الحكومة للمطالب التي يطرحها العمال، وتدويرها من عام إلى آخر دون جدوى، خاصةً الطلب الأساسي والمستمر للعمال بزيادة أجورهم لتتناسب مع مستوى المعيشية المتدهور باستمرار، انعكس في المؤتمرات النقابية برفض العمال لتلك السياسات وتذمرهم منها.
إن تصاعد تذمر العمال، واستمرار السياسات الحكومية على الوتيرة نفسها، وتطوير موقف النقابات يعني أن العمال سيجدون في نقاباتهم ممثل حقيقي لهم، وفي ذلك مكسب للعمال وللنقابات وللوطن.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.