هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

خميس أسود.. والترقيع لن يفيد

أبت الحكومة المودعة أن تغادر مكاتبها الوظيفية قبل أن تجهز على جيوب الطبقة العاملة بخميس أسود، فرفعت أسعار المحروقات لينشغل العمال في إعادة حساباتهم المعيشية التي هي بالأصل عصية على الحل.

إما الاقتصاد الليبرالي أو لا شيء آخر 

لم يكن القرار الأخير برفع سعر المحروقات مفاجئاً للعمال على مختلف قطاعاتهم وشرائحهم، فقد خبروا بتجربتهم الطويلة تلك السياسات الاقتصادية الليبرالية منذ عقد وأكثر، وتحملوا توابعها ونتائجها الكارثية التي كانت تعمق الخلل الكبير بتوزيع الدخل الوطني بين الأجور والأرباح لصالح أصحاب الأرباح، فمع كل تراجع عن دعم مادة أساسية ورفع سعر مادة أخرى كانت معيشتهم تزداد بؤساً وشقاءً، وتزيد قائمة المواد المحرمة كماً ونوعاً، حتى صار الحرمان المزمن والحياة تحت خط الفقر، بالإضافة للقلق المستمر من الوصول للجوع. أسلوب حياة تشاركت به قطاعات العمال بأغلبيتهم، ولم تكن زيادة الأجور أو التعويضات المعيشية سوى محاولة لترقيع الثوب الاقتصادي الليبرالي، إن لم نقل تكريسه وفرضه كلباس شرعي وإجباري على كل من يأكل من عمل يده بالحلال.

عمال القطاع العام وتقدير الخسائر

تختلف محاولة التعاطي مع القرار الحكومي الأخير ومرسوم التعويض المعيشي الذي تلاه من قطاع لآخر، فعمال القطاع العام مثلاً سيكتفون كما جرت العادة بمحاولاتهم البائسة لحساب الزيادة المتوقعة على مجمل الأسعار، من صابونة المغسلة وحتى أجور النقل وليتر الزيت، وتستمر هذه العملية المعقدة لأسابيع كون رفع سعر المازوت بشكل خاص يهز السوق ويخلط الأرقام، وحين تستقر الأسعار، إن استقرت، سيكون بوسعهم تقدير خسارتهم الجديدة وكم ستغطي 7500 ليرة من الخسارة الشرائية لأجورهم، بعد تقدير الزيادة الفعلية للمصروف المعيشي والخدمي شهرياً.

أرباب العمل بين مُتهرب ومُسوف

يعاني عمال القطاع الخاص بشقه المنظم من ارتفاع الأسعار وتداعياته المعيشية الكبرى، ورغم تشميلهم بمرسوم التعويض المعيشي إلا أن أرباب الأعمال سيتبعون سياسات التسويف والتقطير، في محاولة منهم لتأخير دفع حق العمال بالتعويض قدر المستطاع، أو اقتطاع ما تيسر لهم منه، مبررين ذلك بتغير تكاليف الإنتاج بعد قرار رفع أسعار المحروقات، وعلى العمال أن ينتظروا أرباب أعمالهم حتى ينتهوا من حسبة التكاليف الجديدة وتسعير منتجاتهم وتجنب المساس بأرباحهم، بل زيادتها كما يشتهون. وقد تعرض الكثير من عمال القطاع الخاص المنظم لهذا الغبن مراراً وتكراراً وكان آخرها بعد مرسوم التعويض المعيشي 4000 ليرة الماضي، حيث ضجت مؤتمرات النقابات باحتجاج الكثير من العمال في شركات كبرى معروفة على عدم نيلهم التعويض كاملاً لأشهر عديدة، علماً بأنهم قد طالبوا به باستمرار، ومن الواضح بأنهم سيضطرون لخوض جولة جديدة خلال الأشهر القادمة، ومن المفترض أن يكون للنقابات دور مناط بها بالعمل على انتزاع حق العمال بالتعويض بداية الشهر القادم كما نص المرسوم.

عمال خارج المرسوم ... 

وخيار الإضراب

يبدو أن القطاع الذي عليه أن يخوض معركته الخاصة بلا أدوات وازنة هو القطاع الخاص غير المنظم (العمل الحر) كون قرار رفع الأسعار سيؤثر على العمال فيه كغيره من القطاعات، لكن مرسوم التعويض المعيشي لم يشملهم طبعاً، وهم بذلك سيحرمون من (البحصة التي تسند الجرة) وعليهم كما في المرات العديدة السابقة أن يكونوا في مواجهة أرباب أعمالهم كي ينتزعوا زيادة على أجورهم، تكون بديلا عن التعويض المعيشي، ورغم صعوبة المهمة فإن صدور المرسوم بحد ذاته سيكون منطلقاً لمطالبتهم تلك، وسيسهل عليهم الأمر بشكل كبير، ومهما حاول رب عمل هنا أو هناك أن يمتنع عن زيادة الأجور لن ينجح في ذلك كون المصيبة الجديدة المتمثلة بقرار رفع أسعار المحروقات قد وحدت هذا القطاع حول مطلب واحد، فمنذ يوم العمل الأول بعد القرار بدأت المطالبات العمالية برفع الأجور في الورشات والمشاغل والمعامل الصغيرة، ووصلت للتهديد بالإضراب عن العمل، فلا قانون ينظم هذا القطاع ولا تأمينات اجتماعية أو حقوق نقابية، فليس لهؤلاء العمال بعد الله سوى الإضراب.