بصراحة: الموضوعي والذاتي في تراجع وتقدم الحركة العمالية
ونحن على أبواب انعقاد الاجتماع الوطني التاسع، عقدت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ورشة عمل تنظيمية ناقشت واستخلصت الكثير من العبر والدروس التي قدمتها تجربة العمل السياسي والجماهيري، إيجاباً كان أم سلباً، وهذا النقاش الذي دار بحد ذاته يشكل نقلة نوعية على صعيد الخبرة المتبادلة التي تكونت خلال العمل اليومي الميداني.
ما نود الإشارة إليه بهذا الصدد السؤال الذي كان حاضراً على طاولة النقاش والحوار وأخذ حيزاً مهماً، وهو ما علاقة الموضوعي بالذاتي؟ أي هل الوضع الذاتي من حيث توفر عناصره الأساسية (التنظيم، الخط السياسي، الرؤية، والممارسة..)، والموضوعي من حيث استعداد الجماهير للدفاع عن كرامتها وحقوقها، والتلاقي مع الذاتي بكل عناصره. فما المعيق لتطور الحركة في الواقع الراهن، الوضع الذاتي، أم الواقع الموضوعي؟
ما يمكن الإشارة إليه بهذا الجدل هو لماذا لم يستطع الشيوعيون على مدار عقود (التحالف) من قيادة نضال الحركة العمالية، بالرغم من التأكيدات التي تجري في المؤتمرات والصحافة على أن الحزب الشيوعي هو طليعة الطبقة العاملة؟
لقد كان من الضروري العمل على تعزيز العمل السياسي في صفوف الطبقة العاملة وجذبها للحزب، ولكن ما جرى بشكل فعلي أن الحركة الشيوعية لم تستطع أن تغير من الواقع في شيء مع بقاء الإدعاءات المتكررة عن دور فاعل للشيوعيين في صفوف الطبقة العاملة، ودفاعهم المستميت عن حقوقهم ومكاسبهم، واستمرت الحركة بالتراجع بالرغم من تواجد الكثير من النقابيين الشيوعيين في الهيئات النقابية المختلفة وفقاً لتوزيع الحصص التي يتفق عليها قبل الانتخابات النقابية فيما بين أحزاب الجبهة.
لعب الشيوعيون السوريون دوراً أساسياً في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم في تأسيس وقيادة الحركة النقابية والعمالية في معاركها التي خاضتها من أجل حقوقها ومن أجل قانون عمل ينظم علاقتها، ويحفظ مكاسبها مع أرباب العمل، واستمر هذا الدور متصاعداً طوال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبقينا نعيش على هذا الإرث النضالي دون العمل على الاستفادة القصوى منه في تطوير العمل في صفوف الطبقة العاملة، والدفع باتجاه تطوير مطالبها وحقوقها، واستمر العمل هكذا ضمن ما هو مرسوم رسمياً، بحيث لا يمكن تجاوزه أو تخطيه لاعتبارات عديدة معروفة، لا مجال لذكرها الآن.
لقد تربت أجيال من الشيوعيين على اعتقاد بأن الحزب متقدم في مواقعه، ويحقق الانتصارات، ولكن الواقع كان يقول إن الحركة في تراجع مستمر، وكانت موازين القوى مختلة لمصلحة قوى الرأسمال في الداخل والخارج، ويتقدمون على صعيد حصار الطبقة العاملة وتجريدها من أدواتها التي تمكنها من الدفاع عن حقوقها، وأهم تلك الأدوات الوعي الذي يأتيها من خارجها، أي الوعي الاشتراكي الذي ينقله الشيوعيون إلى الطبقة العاملة ليس من أجل حقوقها الاقتصادية فحسب، لأنها تعرفها جيداً وربما أكثر من غيرها، بل من أجل حقوقها السياسية والديمقراطية، وهذا ما قام به الشيوعيون في مراحل سابقة نقلت نضال الطبقة العاملة نقلة هامة، بحيث أصبح لها مشاركة فاعلة في الحياة السياسية، ولها الدور المؤثر الذي لا يمكن لأحد تجاهله أو تغييبه.
وبالعودة إلى السؤال الذي طرحناه: هل العامل الذاتي أم الموضوعي أم كلاهما معاً مسؤولان عن تراجع الحركة وتراجع الشيوعيين عن دورهم المفترض في الحركة العمالية؟ يقول لينين: «إن قوة الحركة تكمن في استيقاظ الجماهير وبصورة رئيسية البروليتاريا الصناعية، وإن ضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة الثوريين».. وهذا بيت القصيد الذي عناه لينين في عدم كفاية وعي ومبادرة القادة والثورين والمتمثل بالخط السياسي الناظم لعمل الشيوعيين، ورؤيتهم وممارستهم التي كانت دائماً صحيحة لا تحتاج إلى مراجعة، وهي مقبولة ومفهومة من الجماهير كما يقال.
إن واقع الطبقة العاملة السورية قد تغير كثيراً من حيث العدد، ومستوى التعليم، والتكنولوجيا التي تتعامل معها، فقد دخل إلى صفوف الطبقة العاملة عمال ذوو مهنية عالية، كخريجي المعاهد المتوسطة الصناعية والمعلوماتية والمهندسين بجميع اختصاصاتهم، ولم يعد في الغالب ذلك العامل الأمي المتواجد كثيراً على خطوط الإنتاج، هذا بالإضافة إلى تواجد أعداد كبيرة من العمال في المدن الصناعية المحدثة مؤخراً من القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب بصناعات ثقيلة مثل الحديد الصلب وصناعة السيارات وصناعة الكابلات وغيرها من الصناعات المتطورة التي طرأت مؤخراً.
إن هذا التطور الجاري في واقع الطبقة العاملة يحتاج إلى دراسات نوعية تقوم بها الطليعة لكي يستعيد الحزب دوره الوظيفي التاريخي، والذي يمليه عليه واجبه الوطني والطبقي من خلال المهمات التي يتطلبها نضال الطبقة العاملة.
إن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب تجاوز الحالة الفصائلية السائدة الآن، ودون ذلك لا يمكن الحديث عن إمكانية تقدم في الحركة العمالية، والخروج من حال التبرير لما هو قائم بأن العامل الموضوعي غير مؤات، وأن العامل الذاتي ضعيف.