بصراحة: المصروفون من الخدمة
كثرت في الآونة الأخيرة عمليات الصرف من الخدمة لأسباب قد تعلنها الحكومة وقد لا تعلنها، كصرف العمال المؤقتين والمياومين كما جرى في الشركة السورية للنفط، وفي مديرية زراعة درعا وغيرها من المواقع الأخرى، التي تعرض ويتعرض فيها العمال للصرف من الخدمة لأبسط الأسباب، لتزيد الحكومة بهذا الإجراء جيش العاطلين عن العمل، وبالتالي لتفاقم أكثر أزمة البطالة التي أصبحت من السمات الأساسية التي طبعت عمل الحكومة في خططها وتوجهاتها.
إن عقوبة التسريح من الخدمة واردة في قوانين العمل المختلفة التي يجري العمل بموجبها في سورية، ولكن جرى تقييدها، ولم تترك لرغبات المسؤولين، الكبار منهم والصغار، بل لا يتم الصرف وفقاً لتلك القوانين إلا بعد إثبات الجرم الذي يستوجب التسريح على أساس لجان تحقيق وبمشاركة التنظيم النقابي، ولكن ما يجري الآن من عمليات تسريح، يأخذ عنوان ( لأسباب تمس النزاهة)، ولكن هذا يتم دون إثبات عبر لجان تحقيق تؤكد النتيجة أو تنفيها، وإنما يتم التسريح التعسفي هذا وفقاً لتوصية يرفعها المدير المسؤول أو المحافظ إلى رئيس مجلس الوزراء، فيسارع الأخير بإصدار قرار بالتسريح دون العودة إلى لجان التحقيق التي حددها قانون العاملين في الدولة حسب المادة /138/.
إن محاربة الفساد التي تدعي الحكومة إنها تقوم بالعمل لاستئصاله، بالشكل المتبع حالياً، أي بالصرف من الخدمة لصغار (الفاسدين) هذا إن كانوا حقاً فاسدين، وغالباً لا!، تتم بطرق تدعو للاستغراب والدهشة، ولذلك يمكن التأكيد أن هذا لن يصب في خدمة الهدف المعلن، أي محاربة الفساد، بل سيساهم في تكريسه وإطلاقه بشكل منفلت غير قابل للسيطرة.
إن ضرب قوى الفساد الكبير تحديداً هو المطلوب وطنياً وشعبياً، كونه أصبح يشكل خطراً حقيقياً على البلاد برمتها، وأصبح معيقاً لعملية التنمية التي من المفترض أن تحسن المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود، ومن ضمنهم الذين أصبحوا رغماً عنهم (فاسدين صغاراً) بسبب الفاسدين الكبار الذين ينهبون ويعيثون فساداً في الأرض دون حسيب أو رقيب يقول لهم: من أين لك هذا؟
لا بل الأسوأ من ذلك أن الأموال المنهوبة يجري تبييضها بعد تهريبها إلى الخارج، ليعاد استثمارها، ويصبح هؤلاء الفاسدون محميين هم واستثماراتهم بقوة قوانين الاستثمار وحماية الملكية، حتى بات عادياً أن نسمع من يقول في الحكومة: إن هذه الاستثمارات هي قاطرة النمو التي تبنى عليها (الآمال) في تحقيق جزء مهم من الخطط الخمسية، والتي كانت نتائجها واضحة للعيان مفندة هذا الزعم، سواء من حيث عجزها عن تحقيق أهدافها في تخفيض نسب الفقر والبطالة وفي تحسين المستوى المعيشي لذوي الدخل المحدود، أو في التطوير والتحديث، بل ازدادت تلك النسب المعلنة للفقر والبطالة حسب آخر تقرير للمكتب المركزي للإحصاء، ولا ندري كم ستتعمق أزمة الفقر والبطالة في الخطة الخمسية القادمة بناءً على نتائج الخطة السابقة.
إن القضاء على ظاهرة الفساد الكبير والصغير منه لن يتم فقط بموجب تلك المراسيم والقرارات والغرامات الصادرة، والتي بموجبها يتم صرف العمال والموظفين من الخدمة، بل يتم ذلك من خلال إجراءات عملية يكون الدور الفاعل فيها للدولة والقطاع العام وللرقابة الشعبية المباشرة، وبتوسيع الحريات العامة التي تُتيح فضح كل أشكال النهب والفساد. وهنا تلعب النقابات الدور المهم في هذه العملية لتواجدها في كل مفاصل العمل الإنتاجي والخدمي والوظيفي، وهي بهذا ستعزز دورها في حماية الاقتصاد الوطني وتطويره وتخليصه من ناهبيه، ليؤدي مهمته المنوطة به في تحقيق النمو المطلوب والتنمية الحقيقية التي ستؤمن مستوى معيشي متطور لذوي الدخل المحدود ومنهم الطبقة العاملة السورية. ولن تنفع ولن تجدي إدارة الظهر إلى العمال والموظفين المصروفين من الخدمة الذين يلجؤون للنقابات لكي تكون سندهم في الدفاع عن حقهم في العمل واستمرارهم فيه، إن أظهرت نتائج التحقيق براءتهم مما نسب إليهم، حيث من المفترض أن تكون النقابات حاضرة في كل لجان التحقيق قبل إصدار قرارات الصرف من الخدمة كما حدث لعمال الشركة السورية للنفط ومهندسي وموظفي محافظة دمشق الذين يلجؤون للنقابات من أجل مساعدتهم في العودة إلى عملهم ولكن دون جدوى، مع العلم أن قيادة الاتحاد قد رفعت أكثر من كتاب إلى الجهات الوصائية تبين فيه موقفها من ضرورة عودة العمال المفصولين.
إن اللجوء إلى القضاء وتشكيل لجان تحقيق فيه براءة أو إدانة المصروفين هو مسؤولية تقع على عاتق الحركة النقابية دفاعاً عمّن ظلموا وحرموا من عملهم.