عمال فرنسا  في مواجهة ليبرالية الحكومة
عادل ياسين عادل ياسين

عمال فرنسا في مواجهة ليبرالية الحكومة

ما زالت الطبقة العاملة العالمية، بحراكها وحركتها، في مرحلة التصعيد على مستوى المواجهة مع قوى رأس المال والنهب والاستغلال، ومع كل حراك جديد يتضح أكثر فأكثر ذاك التناقض الرئيسي بين قوة العمل المتمثلة بالطبقة العاملة وقواها ونقاباتها، وبين قوى رأس المال المتمثلة بالتشكيلة الرأسمالية المهيمنة اقتصادياً واجتماعياً، عبر أدوات نهبها وفسادها واستغلالها، ولعل ما يجري في فرنسا هو أحد أشكال تجلي هذا التصعيد بالمرحلة الراهنة.



للشهر الثالث تخيم أزمة قانون العمل على فرنسا، مع ما تحمله من مشاريع ليبرالية، مثل رفع سن التقاعد وتخفيف الأمان الوظيفي، الذي توفره عقود العمل الحالية، ويضم القانون 52 مادة أثارت احتجاج النقابات، التي رأت بأنه يصب في مصلحة أرباب العمل ويشرع للتسريح التعسفي من العمل وفقدان العمال لوظائفهم.
تعنت رسمي رغم رفض البرلمان
مع تصاعد رقعة التظاهرات النقابية والإضرابات العمالية في قطاعات حيوية وحساسة، صرح رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، قائلاً بأنه يستبعد أي تغيير في مشروع قانون العمل أو سحب النص، ورفض البرلمان الفرنسي الموافقة على القانون فلجأت الحكومة إلى المادة 49 من الدستور، التي تتيح تمرير القوانين لدواعي الطوارئ!. وأعلنت وزيرة العمل مريم الخمري الثلاثاء أنها تنتظر «اقتراحات من الكونفدرالية العامة للعمل» تتصل بإصلاح قانون العمل، مجددة تأكيد الموقف الحازم للحكومة لجهة عدم التراجع عن مشروعها.
وقالت الوزيرة لإحدى الإذاعات رفضها لشروط النقابات، ومضيها في مشروع القانون، وقال فرنسوا هولاند الثلاثاء لصحيفة «سود اويست» الإقليمية أن المشروع «لن يسحب».
تصعيد نقابي
أعلنت النقابات ثامن تعبئة احتجاجية لمواجهة القانون منذ شهر آذار الماضي، وامتدت الإضرابات العمالية التي دعت إليها النقابات إلى قطاعات عدة، أدت إلى تباطؤ إنتاج النفط وتوقفه في 5 مصافٍ من أصل 8 مصافٍ فرنسية، ودخول القطاعات العمالية في المحطات النووية في دائرة الاحتجاج، وتوقف العمل، كلياً أو جزئياً، في 4000 محطة للتزود بالوقود، وإضراب هو الخامس منذ شهر آذار الماضي في شركة السكك الحديدية «sncf»، وتقليل رحلات الطيران المدني بنسبة 15 % في مطار أورلي بباريس، وبدأت الحكومة باستخدام احتياطي النفط الموجود لديها والذي لا يكفي سوى لـ 115 يوم.
الشرطة تمارس عنفاً غير مسبوق
لجأت الشرطة إلى فك اعتصام عمال مصفاة «فوس» في مرسيليا بالقوة في 24 أيار، وتشكل هذه العملية تصعيداً في المواجهة بين حكومة الرئيس فرانسوا هولاند واتحاد النقابات العمالية، الذي دعا إلى تحويل الاحتجاجات والوقفات الاحتجاجية إلى إضرابات متلاحقة في المرافئ والمصافي النفطية والسكك الحديدية.
وقال إيمانويل لوبين، من الاتحاد، إن 40 حافلة تنقل أفراداً من شرطة مكافحة الشغب شاركت في عملية فض الاعتصام، التي مورس فيها عنفاً غير مسبوق. ويشارك عمال مصفاة «فوس» في اعتصامات واحتجاجات هذا القطاع. وفي 31 أيار امتدت الإضرابات إلى المصافي الثماني في البلاد وانخفض الإنتاج إلى 50 %.
صيغ احتجاجية متنوعة
إضرابات عمال المصافي والاعتصامات، التي نفذها عمال التحميل وسائقو الشاحنات وغيرهم، أعلنت عبر هذه الصيغ من الاحتجاجات اعتراضها على التعديلات في قانون العمل، من خلال شل عمليات توصيل الوقود من وإلى مستودعات النفط على مدى أيام، مما دفع المئات من هذه المستودعات إلى تخزين الوقود خوفاً من انقطاعه، وتسببت بالتالي في نقص بمئات محطات تزويد السيارات بالوقود، وأعلنت شركة توتال الفرنسية أن عمال محطاتها البالغة 2200 محطة وقود مشاركون في الإضراب كلياً او جزئياً.
كما دعا اتحاد النقابات إلى إضرابات متتالية لأكثر من يومين في الأسبوع في محطات السكك الحديدية، ولاعتصام مفتوح في مترو الأنفاق في باريس، وشبكات القطارات في الضواحي بدءاً من الـ 2 حزيران، أي قبل أسبوع من افتتاح بطولة أوروبا لكرة القدم لعام 2016 في فرنسا.
شلل شبه تام في السكك الحديدية
خيمت بوادر الشلل التام على معظم المدن الفرنسية، بعد اتساع نطاق الإضرابات والاحتجاجات على مشروع قانون العمل الجديد. بعد انطلاق الإضراب المفتوح لعمال وسائل النقل منذ 31 أيار الماضي مع اقتراب كأس أوروبا بعد أحد عشر يوماً.
وهذا الإضراب الثامن الذي تنفذه الشركة الوطنية للسكك الحديد الفرنسية منذ بداية مارس بهدف التأثير على المفاوضات حول ساعات العمل في هذا القطاع، ويندرج في إطار الرفض الواسع لمشروع إصلاح قانون العمل.
وأورد بيان للشركة الوطنية للسكك الحديد أن الاضطراب في وسائل النقل الأربعاء سيكون ملحوظاً لكنه لن يؤدي إلى شلل تام، فهو لن يشمل ستين في المئة من القطارات السريعة وثلاثين إلى أربعين في المئة من القطارات الإقليمية.
انعكاسات دولية أيضاً
وعلى الصعيد الدولي، تحدثت شركة السكك الحديد عن حركة طبيعية لقطاري يوروستار واليو (المانيا)، وحركة بنسبة 75 في المئة لقطار ليريا (سويسرا)، أي أن 25% من النقل بين فرنسا وسويسرا متوقف، وأربعين في المئة فقط لقطار ايليبسوس (اسبانيا)، أي أن 60% من النقل بين فرنسا واسبانيا متوقف، وعشرين في المئة لقطار «اس في أي» (إيطاليا)، أي أن 80% من النقل بين فرنسا وإيطاليا متوقف.
قطاعات جديدة ستدخل حيز الاضرابات
ويظهر الإضراب الذي سيشمل قطاع السكك الحديد أن مطالب القطاعات والاحتجاج الاجتماعي باتا متطابقين، فبعد شركة السكك الحديد، يستعد «مترو باريس» لإضراب ومثله طيارو شركة «ايرفرانس» في موعد قريب.