ما مصير التعاونيات الفلاحية؟

تبلور شعار الأرض لمن يعمل بها نتيجة نضالات مريرة خاضتها الجماهير الفلاحية في الريف السوري منذ ثلاثينيات القرن العشرين وكانت إحدى نتائج هذه النضالات صدور قانون الاتحاد التعاوني عام 1965 الذي أدى إلى انتشار الجمعيات التعاونية الفلاحية في الريف وانعقاد المؤتمر الأول للجمعيات التعاونية في العام نفسه هذه التعاونيات التي كانت مكسباً تقدمياً وديمقراطياً مهماً انتزعه الفلاحون رغم كل السلبيات التي رافقت التجربة السورية في التعاونيات الفلاحية ومنها تجربة محافظة الحسكة التي لم تختلف عن بقية المحافظات بالسلبيات والإيجابيات التي أفرزتها تجربة سبعة وأربعين عاماً من العمل التعاوني في الريف

واقع التعاونيات الفلاحية في الحسكة:

حسب الإحصائيات التنظيمية الأخيرة لاتحاد فلاحي الحسكة فإن مجموع عدد الجمعيات الفلاحية في محافظة الحسكة تبلغ 663 جمعية تضم 110163 عضواً تعاونياً منهم 19497 فلاحة وقدمت هذه الجمعيات منذ نشوئها خدمات كثيرة للعمل الزراعي ودفعته خطوات إلى الأمام من تأمين البذار والمبيدات الحشرية والمحروقات والآليات وكل مستلزمات العمل الزراعي للفلاحين وخلال العقد الأول من تجربة التعاونيات في ريف الحسكة برزت جمعيات عديدة رائدة في المجال التعاوني حيث أثمر العمل الجماعي للفلاحين بنتائج اقتصادية اجتماعية مهمة من حيث توفير مستلزمات الانتاج وحجم العائدات التي تختلف كثيراً من حيث الفرق عن العمل الفردي منها جمعية كري زيل وجمعية تل جمعة التي لقبت بالصين الشعبية بسبب تحقيقها نتائج عالية في العمل التعاوني وغيرها الكثير من الجمعيات

لاحقاً وبعد كل الإيجابيات التي حصلت أثناء العمل التعاوني انتشرت المحسوبية وتغلغل الفساد والروتين البيروقراطية في جسم الجمعيات الفلاحية حتى تم إفراغها من مضمونها بشكل جزئي وتورط الكثير من رؤساء الجمعيات الفلاحية في ملفات الفساد على حساب لقمة الفلاحين الفقراء واستجر الكثير منهم قروضاً زراعية على اسم الجمعيات الفلاحية وتوريط الفلاحين بهذه الديون ومن ثم سرقة هذه الأموال وإبقاءها في رقبة فلاحي الجمعية كما حصل مع جمعية كري بري منذ سنوات كما ان غياب الحريات الديمقراطية بمعنى القضاء النزيه والصحافة والأحزاب السياسية والرقابة الشعبية الحقيقية وغيرها قد ساهم كثيراً في تفشي الفساد في جسم التعاونيات الفلاحية

في الموسم الزراعي الحالي للقطن ونتيجة عدم توفر المحروقات ترك 25 بالمائة من الفلاحين في موسم القطن مواسمهم هكذا بعد أن دفعوا الاموال الطائلة لزراعتها وتخديمها و من واجب الدولة انصافهم ولاسيما أن  قانون التكافل الاجتماعي للجمعيات الفلاحية في هذه الحالة يضر حتى بأولئك الذين تمكنوا من الزراعة و نتيجة عدم فعالية عمل الجمعيات الفلاحية تضرر الكثير من الفلاحين وهجر البعض أرضهم والبعض الأخر لم يزرع أرضه والذي زرع وقع تحت رحمة الديون المرتفعة سقفها كثيراً .

 

ما مصير الجمعيات التعاونية اليوم؟

لا شك أن كل مظاهر الفساد البرجوازي البيروقراطي قد استفحلت في ظروف الأزمة بشكل سرطاني وأصبح منطق الأتاوات هو السائد وبات يهدد وجود بعض مما تبقى من المكتسبات الشعبية أضف إلى ذلك مظاهر الولاءات ما قبل الوطنية فإن كان قد تبقى من هذه الجمعيات التعاونية ما يساعد الفلاحين في العمل الزراعي في محافظة الحسكة فهو مكسب مهم رغم كل شيء  حيث هناك العديد من الفلاحين الفقراء الذين تساعدهم الجمعيات الفلاحية في تأمين مستلزمات العمل في الأرض هذه الجمعيات كما غيرها من المؤسسات الوطنية وكأن هناك من يريد استهدافها اليوم لإدخال البلاد في دوامة من التخريب الاقتصادي خدمة لجيوبهم ومنهوباتهم على حساب فلاحي الوطن الفقراء.

أن الوضع في القطاع الزراعي يتطلب جملة من التدابير السريعة التي من ضمنها انعاش عمل الجمعيات التعاونية الفلاحية في الريف لأنها تدعم الانتاج الزراعي وتساعد الكثير من الفلاحين على تحسين دخلهم السنوي كما أثبتت تجارب الماضي  أن مصير العمل التعاوني في الريف وبالتالي مصير العمل الزراعي الذي يعطي انتاجاً لسد حاجة الوطن من المواد الاستهلاكية المختلفة على المحك وبالتالي مصير فلاح الوطن الجندي المجهول في كل عملية انتاج زراعي على المحك أيضاً فهل ثمة من يلتفت إلى معاناة الفلاحين وينصفهم؟