عمال التنظيفات في القطاع الخاص أجور ما دون الحد الأدنى
نشأت شركات التنظيف في القطاع الخاص بالتوازي مع فورة المشاريع الخدمية والسياحية التي شجعت عليها السياسات الليبرالية واعتبرتها قاطرة النمو للاقتصاد الوطني، وراهنت عليها في إخراج «الزير من البير»، أي راهنت عليها من أجل حل الأزمات المتوالدة في المجتمع، والتي أصبحت الآن مستعصية الحل بسبب الحلول المجتزأة والمنقوصة التي تُتبع في حل أزمات البطالة والفقر والتي أساسها التشغيل المؤقت للعمال كما أوصى بذلك صندوق النقد الدولي الحكومة الليبرالية العتيدة.
حيث نفذت تلك السياسات بكل «أمانة»، وخاصة تجاه عمال القطاع الخاص، ودعمت ذلك بإصدارها قانون العمل الجديد رقم /17/ الذي وضع كل الصلاحيات بيد أرباب العمل لتحديد الأجور، وعقود العمل المؤقتة المرفق بها الاستقالات وبراءات الذمة المسبقة لعمل العامل، وكذلك أعطت أرباب العمل الصلاحيات المطلقة بتسريح العمال تسريحاً تعسفياً دون رادع من قانون أو قضاء يرد عن العمال ظلم من يعملون لحسابه، وهذا يعني التحكم بمصير مئات الألوف من العمال، والأحداث الجارية دليل فاقع لاستغلال أرباب العمل استغلالاً جيداً للأزمة من أجل التخلص من العمال العاملين لديهم تحت حجة الظروف الاقتصادية العصيبة، فأصبح الآلاف من العمال خارج إطار العمل منضمين بذلك مرة أخرى إلى جيش العاطلين عن العمل الذي تزداد أعداده يوماً بعد يوم بسبب تلك السياسات الكارثية.
إن شركات القطاع الخاص التي تعمل في مجال التنظيف أصبحت كالفطر والسبب الربح العالي الذي تحققه الشركات من خلال تعاقدها مع الإدارات الحكومية، والمشافي العامة والخاصة وصالات المطار، وغيرها من الأماكن التي تكون الحاجة فيها لعمال النظافة ضرورية، وهنا لسنا نعترض على تشغيل العمال، ولكننا نعترض على شروط العمل القاسية التي تُفرض على العامل دون أن يكون هناك أجر يعادل تلك المخاطر التي يتعرض لها أثناء قيامه بعمله.
إن الشروط الأساسية للصحة والسلامة المهنية تنص على ضرورة إيجاد المناخ وأدوات الوقاية والحماية التي تجعل العامل يعمل في بيئة سليمة تحافظ على سلامته الجسدية من الإصابات المباشرة، وتحافظ على صحته أيضاً من الإصابة بالأمراض المهنية التي لا تظهر آثارها مباشرة، بل تظهر بعد سنوات عدة من استمرار العامل في القيام بعمله مثل الأمراض الصدرية وآلام العمود الفقري والأمراض العصبية وغيرها من الأمراض التي سيتحملها العامل وحيداً دون معين له في تقديم العلاج والدواء الضروريين له، ويمكن أن نقدم في هذه العجالة بعضاً من الظروف التي يعمل بها عمال التنظيفات في القطاع الخاص.
شركات التنظيف الخاصة تحصل على عقود التنظيف بمبالغ خيالية بسبب الفساد والرشوة، بينما تكاليف العمل من أجور وتعويضات للعمال لا يمكن مقارنتها مع ما تحققه من أرباح، حيث يبلغ وسطي أجور العمال في هذه الشركات /5000/ ل.س، ولا ندري إن كان أصحاب هذه الشركات يعلمون أن هذا الأجر لا يكفي لسد الرمق فكيف بالاحتياجات الأساسية للعمال من دواء وملبس وسكن وعلاج ومواصلات وغيرها من الاحتياجات.
وبالنسبة لساعات الدوام فحدث ولا حرج، فالقانون حدد ساعات العمل اليومي بثماني ساعات، بينما العمال يعملون عشر ساعات وما فوق، ودون تعويض لهم عن العمل الإضافي، هذا بالإضافة إلى المخاطر التي يتعرضون لها أثناء العمل على ارتفاعات عالية لتنظيف واجهات الأبنية الزجاجية دون وسائل حماية أو وقاية تجعلهم في مأمن من السقوط من علِ.. يتوجب حسب كل القوانين في الدنيا أن هذا النوع من العمل له أجهزة حماية من السقوط وله أجر يتناسب مع خطورة هذا العمل، ولكن هنا، عند هذه الشركات الخاصة، الأمر سيان!! فهي لا تهتم بتأمين الوسائل اللازمة للحماية لأنه لاتوجد رقابة من جانب النقابات أو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على هذا النوع من الأعمال، والحقيقة أنه يجب على هذه الجهات أن تشدد الرقابة وتحمي العمال من مخاطر هذه الأعمال، وبهذه المناسبة فإن معظم هؤلاء العمال غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية التي تحميهم من إصابات العمل ومخاطر المهن الكثيرة، وخاصة العاملين في تنظيف المشافي الخاصة والعامة، حيث يتعامل العمال مع المواد الكيميائية الخطرة وأدوات التنظيف الكهربائية وغيرها من الأدوات التي تجعلهم معرضين بشكل أكيد لمخاطر المواد المسرطنة والكيميائية التي ستجعل إصابات العمل والأمراض المهنية جزءاً لا يتجزأ من حالتهم الصحية.
إن واقع العمال من حيث شروط العمل والأجور المدفوعة لهم، واقع غير إنساني، ويتطلب من نقابات العمال ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل النظر بأوضاعهم من أجل حصولهم على حقوقهم التي هدرها أرباب العمل بفعل القوانين التي وضعت لخدمتهم وبسبب ضعف من هو مفترض أن يدافع عنهم وعن حقوقهم وغيابهم عن قضايا العمال الفعلية، ولا ندري إلى متى سيستمر ذلك؟.