عفوا أيتها الحكومة معاملنا ليست للبيع..!
مر قانون التشاركية من تحت قبة مجلس الشعب مرور الفاتحين المنتصرين، وكما وصل لمسامعنا فقد تم طبخه على عجالة، رغم أن تمثيل العمال والفلاحين في المجلس الموقر أكثر من النصف، ولَمَا كان مبرراً لممثلي أصحاب المال والأرباح - وما أكثرهم - في المجلس، موافقتهم على القانون، لأنه يعكس مصالحهم، فما مبرر موافقة الممثلين المفترضين عن العمال والفلاحين وأصحاب الأجور، على هكذا قانون قادر على ابتلاع القطاع العام وعماله معاً.؟
تستغرب شريحة عمال القطاع الخاص مرور قانون التشاركية، وكذلك الترويج الكبير له من قبل الحكومة في كل محفل هنا وهناك وآخرها حضورها لاجتماع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال أواخر الشهر الماضي، ورغم الموقف المعارض الذي أبدته النقابات من هذا القانون وآثاره السلبية الكبيرة على عمال القطاع العام لكن هناك وجهة نظر يحملها عمال القطاع الخاص لإخوتهم في القطاع العام بل رسالة أولى ولن تكون الأخيرة.
العمال بين العام والخاص
لابد لعمال القطاع العام فهم خطورة هذا القانون الذي يتيح للرأسمال أياً كانت صفته الاستثمار ليس في الاقتصاد السوري كما هو حاصل الآن، بل في منشآت ومرافق ومعامل القطاع العام أي أن هناك رب عمل جديد سيتولى أمرهم وسيكون الآمر الناهي مزيحاً بذلك رب عملهم السابق أي الحكومة، وبالمقارنة بين الإثنين فلا مجال للمقارنة أبداً لا من الناحية القانونية والحقوقية ولا من نواحي أخرى عديدة.
إن القانون الذي يحكم العلاقة بين الحكومة وعمال القطاع العام هو قانون العاملين الأساسي، والذي برغم بعض مواده التي تحتاج للتعديل أو الحذف، هو قانون يوازن بين الطرفين ويضمن حقوقهما بشكل كبير نسبياً أما القانون الذي يحكم العلاقة بين عمال القطاع الخاص وأرباب العمل فهو القانون رقم 17 المغضوب عليه من قبل العمال الذين يطالبون ليلاً نهاراً بتعديله ونسفه من أساساته أيضاً، وكيف لا وهو المفصَل على قياس أصحاب العمل وشروطهم، والذي يضمن كامل حقوقهم دون أن يتكفل بأكثر الحقوق أهمية للعامل، وهو ضمان العمل وعدم الرمي به على أرصفة البطالة، وكم يتمنى عمال الخاص لو أنهم يملكون قانوناً كقانون إخوتهم في القطاع العام.
هدف الربح ولا شيء سواه
تأخذ الحكومة دور رب العمل الفعلي لعمال القطاع العام ولكنها تبقى حكومة لها رؤيتها الاقتصادية، وهي كما هو مفترض تتصف بدورها الراعي والضامن لحقوق عمالها ومعيشتهم ولا تنطلق في ممارسة عملها من مفهوم الربح، ذلك المفهوم الذي ينطلق منه رب العمل في القطاع الخاص وعلى أساسه تعمى بصيرته عن أي شيء آخر، فالربح بوصلته الوحيدة وغايته المطلقة، فإذا تراجع ربح مشروعه فهو سيخفض الأجور لتخفيض تكلفة الإنتاج وزيادة الربح، وإذا تراجعت حركة الأسواق فهو سيغلق جزئياً أو كلياً وسيصرف عماله بعد أن يتفضل على بعضهم بليرات التعويض وهو من يحدد ساعات العمل وقيمة الأجور ولا شيء يجبره على دفع حوافز إنتاجية أو تعويضات وأضف إلى ذلك فعمال القطاع الخاص يعملون يوم السبت والأغلبية الساحقة منهم غير مسجل في التأمينات وإذا سجلوا فهم على الحد الأدنى للأجور والكثير من التفاصيل المعروفة.
صمود العام وهروب الخاص
تفجرت الأزمة في البلاد واستمرت بتداعياتها حينها هرب أغلب أرباب العمل بمالهم وعتادهم خارج البلاد، وتعطل عمالهم، وبالمقابل فان الحكومة مازالت تدفع أجور، عمالها وموظفيها سواء كانوا على رأس عملهم أو خرجت منشأتهم عن العمل ـ رغم كل سياساتها الاقتصادية التي أفقرت الطبقة العاملة بكاملها ـ واستمرت رواتب المتقاعدين التي لا يحصل عليها عمال القطاع الخاص إلا من رحم ربك وكان رب عمله قد سجله في التأمينات الاجتماعية.
الدردرية مدرسة
الخطاب الحكومي
تطول المقارنات بين واقع عمال القطاع العام والخاص، ومن البديهي أن وضع العام أفضل بكثير من الخاص، وسيخرج علينا فطاحلة الخطاب الحكومي ليشرحوا لنا ويقنعوننا بأن حقوق العمال لن تمس في حال تطبيق التشاركية في أحد قطاعات الدولة، وستبعث الحكومة برسائل التطمين لعمالها وموظفيها، وسيحولون البحر إلى طحينة، مدعيين بأن دخول رأسمال خاص لمعاملهم سيحسن من أوضاعهم وستزيد الإنتاجية وبالتالي سيقبضون حوافز وإضافي وتعويضات، وكل هذه الخطب التي تعودنا على سماعها من الحكومات الدردرية وأخواتها حين بشرونا برغد العيش وبحبوحة الحال، ووعدونا بقفزات اقتصادية وشراكة متوسطية أوروبية، وإذا بهم يرفعون نسب الفقر والبطالة ويكومون حطب حريق الأزمة التي وصلت لحدود كارثية كبيرة، وليتم حصارنا اقتصادياً من أولئك الشركاء الافتراضيين الذين وعدونا بهم.
يجب أن يكون مفهوماً لنا بأن رأس المال لن يستثمر في أي مشروع دون ضمانات أكيدة تضمن له الربح الكبير والآمن، وهذا الربح لن يتحقق إلا على حساب العمال، من خلال سرقة تعبهم واستغلال تحملهم الأخلاقي الفطري لمسؤوليتهم تجاه لقمة عيشهم الكريمة لهم ولأسرهم، لذا لا بد من أخذ موقف حازم وواضح من قبل النقابات ضد هذا القانون، وعلى عمال القطاع العام الوقوف في وجه تطبيقه بكل الوسائل الدستورية والقانونية، فكل منشآت ومعامل القطاع العام هي ملك لعمالها وهي ليست للبيع.