الإضراب حق مشروع وأداة دفاع
ارتبط النضال الوطني للطبقة العاملة مع نضالها الطبقي المطلبي برباط وثيق تاريخياً منذ بوادر تشكلها الذي بدأ فعلياً حين كانت البلاد تحت الاحتلال العثماني وبعده الفرنسي، مما جعل تشكل الوعي الطبقي ملازماً لتطور الوعي الوطني الذي فرضه واقعٍ البلاد، ولم يكن دورها في مقاومة الاستعماريين إلا دوراً أساسياً وحاسما وكانت في طليعة الجماهير المنادية بالاستقلال والتحرر الوطني.
صاعد الوزن النوعي للطبقة العاملة مع بداية نشوء الشركات الكبرى التي التي كانت تستثمر في قطاعات اقتصادية أساسية في ذلك الوقت، مثل: شركة الكهرباء والترامواي والريجي بسبب وجود الأعداد الكبيرة من العمال التي تقتضيها طبيعة العمل في تلك الشركات، مما فسح المجال أمام العمال لتنظيم نضالهم النقابي والسياسي والذي أخذ طابع السرية كونه منع من سلطات الانتداب الفرنسي واعتبر جرماً عند السلطات الاستعمارية.
بقي قانون الحرف العثماني الذي صدر في 1912 سارياً في ظل وجود الاحتلال الفرنسي، ولم يتغير القانون إلا بعد الاستقلال بسنوات، بفعل النضال الواسع الذي خاضته الطبقة العاملة السورية والقيادة النقابية التي جاءت من رحم العمال، حيث اعترف القانون بالطبقة العاملة السورية، وأقر بجزء مهم من حقوقها وفي مقدمته حق الإضراب المدفوع الأجر للعمال المضربين إلى جانب بعض الحقوق الأخرى التي كانت مغيبة من قبل الشركات الأجنبية وأرباب العمل السوريين.
كان نضال العمال السوريين من أجل زيادة أجورهم ومازال في طليعة مهامهم لتحسين مستوى معيشتهم، ويأخذ هذا الصراع أشكالاً مختلفةً في كل مرحلة من المراحل، والمحدد الأساسي لتصاعده أو تراجعه، هو موازين القوى السائدة وقدرة الطبقة العاملة على تنظيم نفسها على أساس مطالبها الرئيسية وتحالفاتها مع القوى المتبنية لمطالب العمال وحقوقهم، واستعدادها لخوض النضال معهم ويمكن ضرب بعض الأمثلة من تاريخ الحركة العمالية ومواقف أرباب العمل تجاه زيادة أجور العمال.
في تلك الفترة من القرن الماضي نشأ الاختلاف بسبب عدم سماع أرباب العمل لمطالب العمال في تحسين الأجور، مما رفع درجة الاحتقان وفي الوقت نفسه درجة التنظيم العمالي، فبدأت الإضرابات والاحتجاجات بعد أخذ و رد، تم تبرير تهرب أرباب العمل من تنفيذ المطالب بحجة (هبوط سعر الفرنك الفرنسي).
أحجم أرباب المعامل والمصانع المنتجة عن دفع الأجور المستحقة و زيادتها، ويمكن وصفه بأنه شديد القسوة، ويعتبر تقليلاً من قيمة العامل مهنياً وعملياً وإنسانياً، ولكن ذلك ارتد على أصحاب العمل المحميين من الفرنسيين، فنظم العمال أنفسهم ، وحدث إضراب لأربعة آلاف عامل من عمال نسيج البياض في (17\9\1937 ) للمطالبة بالزيادة التي وعدوا بها وقدرها 17% التي نقضها أرباب العمل سابقا.
إثر ذلك تم تشكيل لجنة لمتابعة القضية وألزمت أرباب العمل بتنفيذ الاتفاق، لكن أرباب العمل خذلوا العمال وقاموا بخداعهم وتظاهروا بالموافقة على تنفيذ الاتفاق، مما أدى إلى إقرار اجتماعات لتجديد البحث في القضية والتضامن مع عمال حلب وحمص.
خرج العمال مرة أخرى في مظاهرات وكان عمال النسيج في الطليعة وانضم 500 عامل وأكثر للمظاهرة التي وصلت لسوق (السقطية) وهم ينادون (جوعانين جوعانين) وبعدها نحو سوق (الصيارفة) فقوبل احتجاج العمال باتهام باطل من قبل التجار، ومن هذه الاتهامات الباطلة بأنهم يريدون العيش دون عمل وبأنهم لصوص يقومون بالتخريب والاعتداء على التجار بهدف الإساءة للمتظاهرين، ولم يتراجع العمال إلى أن تم الإعلان عن اتفاق بين الفريقين بحضور مدير مصلحة الزراعة والاقتصاد الوطني وبعض رجال الكتلة الوطنية ومندوبين عن أرباب المهن والعمال وعن أصحاب المعامل والمعلمين، وأجري على أساسها تسوية أجور العمال والتي امتنع عن تنفيذها أصحاب العمل سابقاً وتشغيل الفلاحين وعدم تشغيل الأولاد الصغار إلا في حالة اضطرارية وهي زيادة كمية العمل عند أصحاب العمل.
وبعد توقيع الاتفاق أخذ وضع العمال بالتحسن والاستقرار مما هيأ الجو المناسب لقيام عدة فرق عمالية بتأليف نقابة خاصة لكل فريق عمالي يعمل بمهنة معينة، وحذا حذوهم أرباب المهن والحرف ونشأت نقابات لها أنظمة تضمن مصالح الطبقة العمالية، وتنظم نضالهم المستمر وحقوقهم الكاملة وعلى رأسها حقهم بالإضراب.
يعتبر حق الإضراب من أهم أدوات الدفاع التي يمتلكها العمال في خوضهم لنضالهم ضد السياسات المعادية لهم ولدفاعهم عن حقوقهم الطبقية والسياسية والمعيشية، ولقد كفل الدستور الحالي حق الإضراب ولكن لحد الآن لم تضعه الحركة النقابية في برامجها وقانونها التنظيمي، رغم أنه لو نظرنا للتاريخ جيداً لوعينا أنه لولا إضرابات الطبقة العاملة على مر المراحل السابقة لما كان هناك قانون عمل أو تنظيم نقابي، فهل أعدنا قراءة تاريخنا العمالي الوطني الطبقي .؟