أين استقلالية القضاء السوري وسلطة الدستور من تدخله؟

أين استقلالية القضاء السوري وسلطة الدستور من تدخله؟

يعتبر القضاء حسب المنظور الحقوقي الملجأ الأساسي والمنقذ للعامل والمواطن للحصول على حقوقه حتى لو كانت منقوصة، ومنع التعدي عليها من أي طرف كان، وهو الذي يوضح حدود وصلاحيات كل سلطة من السلطات التنفيذية والتشريعية في أي بلد من البلدان، ويمنع التجاوزات ويحمي حريات وحقوق المجتمع وأفراده بالتساوي، ويعتبر حسب المرجعية المستقلة والحيادية والنزيهة ، لحّل المشاكل وإظهار الحقوق.

 

 

 

ولا يخفى على أحد أن الدستور السوري يحوي مواد عديدة تضبط، وتحدد دور القضاء واستقلاليته، وتساوي بين المواطنين أمام القانون، فلقد نصت المادة / 25 / في بعض بنودها على:

2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.

3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

والقضية التي بين أيدينا تثير الكثير من التساؤلات والإشكاليات حول قانونية هذا الإجراء من رئيس مجلس الوزراء خاصة في محتواه الذي يتضمن حرفياً:

 

السيد وزير العدل..

نحيل إليكم ربطاً كتاب السيد وزير النفط والثروة المعدنية رقم 19491س تاريخ 282011، بشأن الدعوة المقامة من (السيد عبد الغني الحموي ورفاقه)بمواجهة الشركة السورية للنفط بطلب منحهم قيمة محروقات بأسعار مخفضة.

وحيث أن الشركة السورية للنفط وبالتنسيق مع إدارة قضايا الدولة قد أقامت دعوى أمام محكمة النقض تطالب فيها بانعدام القرار رقم290 أساس 36 تاريخ 2162004 ولا زالت الدعوى منظورة أمام المحكمة المذكورة، فقد وجه رئيس مجلس الوزراء بالإحالة إليكم للتوسط لوقف التنفيذ لحين البت بالدعوى المشار أعلاه من قبل محكمة النقض.

دمشق في 682011

الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء

تيسير محمد زعبي

 

وفي هذا الصدد رفع المحامي منير عبد الله مذكرة لمقام محكمة النقض- الغرفة العمالية قال فيها:

«من الجهة المدعى عليها: نقابة عمال استخراج النفط واستثماره بدمشق، نيابة عن (عبد الغني الحموي) ورفاقه البالغ عددهم /964/ عاملاً، يمثلها المحامي منير عبد الله.

ضد الجهة المدعية: الشركة السورية للنفط.

1) الفقرة الأخيرة من المادة /250/ مكرر من قانون أصول المحاكمات المدنية، التي أضيفت بموجب المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1983 هي نص تشريعي (استثنائي) و(شاذ) لا مثيل له في جميع قوانين العالم.

2) القرار المطلوب انعدامه هو قرار الغرفة العمالية في محكمة النقض رقم (36/290) تاريخ 21/6/2004. الصادر بشأن (طعن النيابة نفعاً للقانون) في قرار سابق.

3) في الدعوى المفصولة بالقرار (36/290): (الجهة الطاعنة) هي (النيابة العامة وحدها) ضد (القرار الطعين وحده). فليس فيها طرفان أصلاً حتى يتعين دعوتهما، ولا يوجد أي سند قانوني لهذه الدعوى الكيدية.

4) إن طعن النيابة نفعاً للقانون كان (لمصلحة الشركة وحدها) وبناء على (حججها وحدها) التي أوردتها في دعوى الانعدام هذه. فهل المطلوب الآن أن تجري محاكمة جديدة لسماع نفس الحجج المكررة في الدعاوى المشار إليها التي سبق أن رفضتها محكمتكم الكريمة؟!

 

طلب وقف التنفيذ

أ) صدر الحكم ألاستئنافي (المبرم) منذ ثمانية عشر عاماً في سنة 1993 وقد طلبت الشركة (وقف تنفيذه) من خلال (دعوى اعتراض الغير) التي أقامها وزير النفط. كما طلبت (وقف تنفيذه) من خلال (دعوى إعادة المحاكمة). ثم طلبت (وقف تنفيذه) من خلال (طعن النيابة)، فلم تحصل على قرار قضائي بوقف التنفيذ بسبب افتقار طلبها لأي مستند قانوني.

ب)  لكن السادة: (مدراء الشركة المتتابعين)، و(وزراء النفط المتتابعين)، و(رؤساء الحكومة المتتابعين) عطلوا التنفيذ (إدارياً) دون أي قرار قضائي خلال ثمانية عشر عاماً. مما يشكل استهتاراً فظاً بالعدالة والقانون والقضاء. وقد ارتكبوا بذلك جرم (عرقلة الأعمال القضائية) الذي يقع تحت طائلة المادة /361/ من قانون العقوبات العام.

ج) كما أن السادة (وزارة النفط) المقصودين والسادة (رؤساء الحكومة) المقصودين ارتكبوا جرم الحنث باليمين القانونية التي أدوها أمام  رئيس الجمهورية وفق المادة /7/ من الدستور التي التزموا فيها باحترام القانون.

د) وقد استمر هؤلاء في التدخل بأعمال القضاء والضغط على السادة القضاة الذين اضطر (ستة) منهم للتنحي عن النظر في هذه الدعوى من قبل بسبب ذلك.

ه) ثم قام  (رئيس الوزراء الحالي)، بناء على طلب (وزير النفط الحالي) بالضغط على القضاء في هذه الدعوى بتوجيهه  (لوزير العدل الحالي) كتاباً خطياً في 6/8/2011 للتوسط لوقف التنفيذ، نبرز صورته ربطاً. وهذا جرم مشمول بالمادة /409/ من قانون العقوبات العام.

 

لذلك..

- ولأن (حزب البعث العربي الاشتراكي) اشتراكي في عنوانه ومضمونه،. وهو حزب العمال والفلاحين.

- ولأن السيد رئيس الجمهورية أعلن ووجه مراراً وتكراراً باحترام القانون والقضاء وسعى جاهداً لإقامة دولة (القانون والمؤسسات)، فعرقل أمثال المشكو منهم مساعيه.

- ولأن السادة المشكو منهم في هذه القضية قد خالفوا عمداً بسوء نية وسابق تصور وتصميم العدالة والدستور والقانون.

 

نبدي ما يلي:

1) نقترح محاكمة المشكو منهم حزبياً. ومن ثم فصلهم من حزب البعث العربي الاشتراكي لأنهم خالفوا مبادئه.

2) نقترح على مقام الرئاسة النظر في إمكانية الاستغناء عن خدماتهم في الوقت الذي يراه.

3) نلتمس إحالتهم إلى القضاء الجزائي ليعاقبوا على الأعمال المنسوبة إليهم.

4) ونلتمس أخيراً رفض (طلب وقف التنفيذ)».

 

لماذا لم يصل الكتاب؟

 

وقبل أن يرفع المحامي مذكرته لمحكمة النقض بثلاثة أشهر، رفع كتاباً إلى رئيس الجمهورية، لم يأت الرد عليه، مؤكداً أن المكتب لم يقم بإيصال الكتاب للرئيس، لأن الرئيس يقوم بالرد على الكتب الفردية، فكيف بكتاب يخص 964 عاملاً، أي يمثل عائلات بحجم هؤلاء العمال؟؟ وقد جاء بالكتاب ما يلي: 

«السيد رئيس الجمهورية الأكرم..

رئيس مجلس القضاء الأعلى..

المحامي منير عبد الله، الوكيل عن /964/ عاملاً لدى الشركة السورية للنفط، يعرض ما يلي:

أقام الموكلون دعوى ضد الشركة عام 1984 وحصلوا على حكم قضائي مبرم واجب التنفيذ لصالحهم بعد تسع سنوات عام 1993 لكن جميع المدراء العامين للشركة وجميع وزراء النفط ورؤساء الوزارة المتتابعين امتنعوا عن تنفيذه طيلة ربع قرن دون أي مسوغ قانوني. وخلافاً لتوجيهاتكم المعلنة المتكررة بلزوم تحقيق العدالة واحترام القانون وأحكام القضاء.

وقد طالبنا السيد وزير النفط الحالي منذ 25/4/2011 بتنفيذ ذلك القرار فلم يستجب لطلبنا كما رفض مقابلتنا لبحث الموضوع.

لذلك، نتوجه إليكم، بصفتكم رئيس مجلس القضاء الأعلى الساهر على احترام الدستور، والذي يضمن السير المنتظم للسلطات العامة، والملجأ الأعلى للمواطنين، كي تتكرموا بتوجيه السيد وزير النفط، الذي أقسم أمامكم على احترام القوانين، لتنفيذ القرار القضائي المبرم دون أي تأخير، مادام لم يحصل على قرار قضائي بوقف التنفيذ».

وهنا نسأل لماذا يعطل عمل قرار جهة رسمية بحاشية ذات مضمون مخالف للقوانين وبصورة تثير تساؤلات عديدة حول التدخل المباشر الذي أدى إلى إعاقة تنفيذ إجراءات وقرارات مستندة إلى وثائق رسمية؟.

إننا نطالب بإعادة الاعتبار لحقوق المواطنين ودعاويهم، كما للقضاء السوري واستقلاليته، من خلال تصحيح العلاقة ما بين القضاء الإداري (إدارة قضايا الدولة) وتبعيتها بالأحكام القضائية إلى القوانين وفق المادة / 133/ من الدستور والتي تنص في البند 1- القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.. لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: ترى هل كان موقف المحكمة سيبقى هو نفسه دون تغيير لو كان أصحاب الدعاوى هم المستثمرون إياهم، أصحاب النفوذ والمعالي والدولار واليورو.. اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه؟!.

يذكر أنه حتى الآن طلب ستة قضاة إعفاءهم من تولي هذه القضية والسابع منهم على الطريق!!.