العمال والحكومة في مجلس النقابات
المراقب لما طرح في مجلس الاتحاد العام المنعقد في تاريخ 20-21 /12/2015 من مداخلات للكوادر النقابية، أعضاء المجلس والردود التي قدمتها الحكومة على تلك المداخلات، سيصل إلى استنتاج مباشر مفاده إصرار الحكومة على استمرارها فيما تبنته من سياسات وما هي عازمة على تبنيه في المرحلة القادمة، بالرغم من الكوارث الحقيقية التي أصابت العباد والبلاد من جراء عملها بتلك السياسات، والتي بمعرض ردها على المداخلات المقدمة تعترف بالنتائج الكارثية لسياساتها..
إذ اعترفت بارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وبالرغم من تلك الاعترافات الواضحة والصريحة تصر على القول بعدم وجود احتكار، وأن إجراءات المصرف المركزي بما يتعلق بسعر الصرف والاتجار بالعملات مضبوطة من قبل الحكومة، هذا ما صرح به رئيس الوزارة أثناء رده على المداخلات التي أشارت إلى السياسات النقدية للحكومة بما يتعلق بالدولار «سياسة مصرف سورية المركزي تتعرض لانتقادات كل يوم وأنا أؤكد لكم أن سياسة المصرف هي سياسة الحكومة مجتمعة وقرارها جماعي».
ما يتعلق بالفساد ومحاربة الحكومة له، فإن الفساد في وضع لا يحسد عليه لأن الحكومة وفقاً لتصريحاتها النارية التي أدلت بها تقوم بمكافحته، وهي في الربع ساعة الأخيرة في الخلاص من شروره وتأثيراته، وهناك الكثير من ملفات الفساد التي على جدول أعمالها تقوم بدراستها واتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص، وخاصة صفقة القمح الشهيرة التي قدمت النقابات إخباراً علنياً عنها أمام المجلس مطالبة الحكومة بالكشف عن«أبطالها» وملابساتها، وجاء رد الحكومة بأنه ليس هناك صفقة فساد، والأمور تمت وفقاً للأنظمة والقوانين المرعية في فض العروض للمناقصات، والحكومة تراقب فض العروض من خلال الكميرات الموجودة في قاعة فض العروض (كل شيئ مضبوط على التمام).
بالنسبة لوضع العمالة (الفائضة) وهنا ملعب الحكومة الذي تستطيع أن تسرح وتمرح به، والحجج التي بين يديها كثيرة للخروج من مأزق واقع العمال، سواء لجهة حقهم في التثبيت أم لجهة حقوقهم الأخرى، وفي مقدمتها الأجور، وما أدراك ما الأجور، التي تبكي العين وتدمي القلب بأن حولت العمال المنتجين للخيرات إلى متسولين ومحتاجين لها.
العمال في المجلس أشاروا إلى تخلي الحكومة عن وعدها في تثبيت العمال والحكومة تتملص من وعدها بأن ردت «الحكومة تتريث في قرارها» العمال قالوا تكاليف التثبيت ليست بالكبيرة ...الحكومة ترد من خلال وزير المالية سيكلف الدولة الكثير من الأموال، ومصير العمال يكون كما المثل الشعبي القائل «بين حانا ومانا ضاعت لحانا» ويأتي وزير الصناعة ليزيد الطين بلة بأن قال في المجلس حول تسريح العمال: «كتلة الرواتب والأجور لوزارة الصناعة 25 مليار ل س لذلك تم تخفيض عدد العمالة من خلال إعطاء عمال توقفت المنشآت التي يعملون بها رواتبهم لمدة خمس سنوات لكن المشكلة أن الشركات هذه لن تعود حتى بعد خمس سنوات قادمة لذلك تم الاستغناء عنهم كإجراء للتخفيف من أعباء وزارة الصناعة».
عمال المخابز وأوضاعهم التي طرحها النقابيون، كانت آذان الحكومة عنها غير صاغية، ولم تدلي بموقف يشير إلى احتمالات تثبيت حقوقهم التي مضى عليها زمن، ولم تحصل رغم المديح الذي كالته الحكومة، وكذلك النقابيون لهؤلاء العمال بسبب تضحيتهم وتفانيهم ليل نهار في تقديم رغيف الخبز للمواطن وبهذا الصدد قال شعبان عزوز رئيس اتحاد نقابات العمال السابق (موضوع عمال المخابز موضوع خطير جداً فعمال المخابز يعملون الساعات الطويلة وبظروف سيئة ورغم الجهود المبذولة لتسوية وتثبيت هؤلاء العمال جميعها باءت بالفشل).
مما سبق استعراضه من مواقف وردود على الردود أن الطبقة العاملة السورية ومصالحها الحقيقية في واد، وما يجري تداوله في قاعات الاجتماعات والمؤتمرات والمجالس في وادٍ آخر، وهذا لعدة أسباب منها، ما له علاقة بالحركة النقابية، من حيث أدواتها التي تحتاج إلى إعادة نظر فيها كونها قاصرة عن القيام بالغرض المطلوب منها، وهذا ما تؤكده تجربة الحركة النقابية مع السياسات اللليبرالية، التي تمكنت من المصالح الجذرية للعمال وأوصلت أوضاعهم المعيشية إلى مستويات متدنية جداً، ومنها ما له علاقة بتلك السياسات التي لها دور كبير في تعزيز ومركزة ثروة قوى الفساد الكبير وقوى السوق، بمختلف تسمياتهم وألوانهم وأشكال عملهم على حساب لقمة ملايين الفقراء ومنهم الطبقة العاملة السورية التي كان لها الدور الأساسي في صمود وبقاء ما تبقى من القطاع العام.
إن المعارك التي ستخوضها الطبقة العاملة في المرحلة القادمة من تطورات الأزمة الذاهبة إلى حلول سياسية حقيقية ستكون صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى استنهاض قوى الطبقة العاملة والقوى الوطنية الحليفة والمدافعة عن العمال وسيكون للحركة النقابية دور أساسي ومهم في هذا الصراع الواضح والمكشوف بين من يملكون ومن لا يملكون.