كيف نستعيد وزن الطبقة العاملة؟

كيف نستعيد وزن الطبقة العاملة؟

لقد نجحت خطوة الاتحاد العام لنقابات العمال بإصدارها رؤية (اقتصادية-اجتماعية) في استعادة زمام المبادرة من القوى الاقتصادية كلها، للعمل على صياغة ما، لبرنامج اقتصادي استراتيجي بديل، وما يلزم ذلك من مقدمات وإجراءات آنية ضرورية تمهد لتغيرات اقتصادية لاحقة.

لقد بينت قاسيون في عدديها (704 و705 راجع مقالة في رؤية النقابات الاقتصادية الاجتماعية) أن الرؤية الاقتصادية المصاغة، وعلى أهميتها، عانت من قصور في تحديد التحولات الكبرى، في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية بين الشرائح المختلفة، المؤثرة على المشهد الاقتصادي، حيث أتى على رأس هذه التحولات، قضية التركز الشديد للثروة، وهيمنة قوى رأس المال الطفيلي على مفاصل الاقتصاد، وبالتالي هيمنت مصالح هذه الفئات دون غيرها على القرارات الاقتصادية، وغاب أي إجراء يأخذ مصالح الطبقة العاملة، المتضرر الأكبر من هذه التحولات بعين الاعتبار.


ماذا خسرنا بإغفال التحولات؟

إن إغفال هذه التحولات عن الرؤية، أفقدها قدرتها على رسم المشهد الاقتصادي الحالي بدقة، كما جعلها غير قادرة على استنتاج المهمات الملحة والتغيرات الضرورية على الاقتصاد السوري لاحقاً. كما منعها من تحديد مهمات برنامجية مطلبية نضالية، تجعل من مصلحة الطبقة العاملة نقطة انطلاق الرؤية دون أي حرج، طالما أن شروط العملية الاقتصادية كلها تشير بشكل حاسم إلى تطابق مصلحة الطبقة العاملة مع المصالح الوطنية العليا اقتصادياً وسياسياَ، ما يجعل الأولى شرطاً لتحقيق الثانية.    
مؤشرات من خسائر الطبقة العاملة
إن أبرز هذه التحولات الناتجة هي: تردي حال الطبقة العاملة إلى حدود غير مسبوقة في تاريخ البلاد، والتراجع عن مكتسبات عمالية تاريخية حازها العمال بنضالاتهم التاريخية لعقود، بالإضافة إلى بروز خطر داهم على كيان الدولة من ساحتها الاقتصادية، حيث فتحت هذه التحولات الأبواب على مصراعيها لإضعاف الدولة السورية وتغيير وظيفتها على المستوى الداخلي والخارجي.
والحال كذلك ينبغي إذاً؛ تحديد حجم الخسائر التي لحقت بحق الطبقة العاملة والذي سيصار على أساسها تحديد المهمات النضالية والمطلبية، لاستعادة حقوق الطبقة العاملة، كونها جوهر أية عملية اقتصادية، فكلّما زادت هذه الحقوق والمكتسبات ارتفعت إمكانية تحقيق مستويات أعلى من التطور لهذا البلد.
 إن ما سيلي ذكره هو تكثيف لأهم مؤشرات خسائر الطبقة العاملة:
1- تدمير قوى الطبقة العاملة بشكل مباشر عبر الحرب ومفرزاتها واستنزافها كماً ونوعاً. وهو ما يستدعي استثمارات كبرى في رأس المال البشري لتعويضها لاحقاً، ناهيك عن الوقت الطويل نسبياً لهذه العملية، ما يعني حرماننا المؤقت من خبراتنا الوطنية، ونقصاً نوعياً وكمياً جدياُ في العمالة.
2- الخسائر المباشرة لحقوقها عبر انخفاض أجورها الاسمية والحقيقية بشكل حاد عن مستويات المعيشة. وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لانفجارات اجتماعية مستمرة ومعقدة.
3- انخفاض حصتها الحقيقية من ثروات البلاد، وذلك بسبب زيادة مستوى تمركز الثروة، متجسدة بمستويات فساد أعلى من السابق. ما يسمح للرأسمالية الطفيلية بزيادة تحكمها بمصير الاقتصاد والدولة.
4- اختلال تقسيم الدخل الوطني بين الأجور والأرباح، بشكل أكبر لصالح أصحاب الربح والمترجم بارتفاع مستويات النهب، وهو ما سيفقد العمال دورهم الضروري، في تحريك عجلة الإنتاج ونمو الاقتصاد عبر الطلب المحلي.
5- خسارة مكتسبات العمال بالقوانين والتشريعات التي مررت خلال الأزمة وحتى قبلها، كقوانين التأمينات والعمل وغيرها.
6- التخفيض التدريجي لأحد أهم مكتسبات العمال عبر خصخصة مختلفة الأشكال لأجزاء من القطاع العام، والذي يعتبر أهم نقطة تقاطع وتطابق بين مصلحة الدولة والطبقة العاملة.
7- هيكلة قسرية للقوى العاملة، أي تغيير تركيبتها عبر تغيير مجالات عملها، وتغيير توزعها الجغرافي، وتغيير في قدراتها، ما يصعب إعادة بنائها بالأدوات والمعطيات السابقة.


ما هي المهمات الضرورية؟

بناءً على ما سبق، يمكن القول أن المهمات الملحة والاستراتيجية، والتي ينبغي أن تتمحور عليها الطبقة العاملة ونقاباتها، وليس من موقع تحسين واستعادة مكتسباتها وحسب، بل أيضاً من موقع رسم استراتيجية بديلة للاقتصاد الوطني، تقوم على أساس حل المشاكل جذرياً وعلى رأسها:
1- قياس مستوى المعيشة الحقيقي للشعب السوري عموماً، ولعماله خصوصاً، وذلك عبر وضع سلة استهلاك تشمل الحاجات الضرورية المتنامية، يتم تعديل أسعارها بشكل مستمر، مع تغير أسعار السوق، وتعديل تكريبتها بشكل دوري لتشمل الحاجات المتزايدة.
2- المطالبة الفورية بإعادة توزيع الثروة ما يعني بالدرجة الأولى رفع الأجور بأشكالها كافة وذلك عبر الدعم الاجتماعي، وتثبيت أسعار بعض السلع الأساسية، وتأمين سلة غذائية مدعومة للعامل من منتجاتنا الوطنية، وزيادة الأجور من مصادر دخل حقيقية، أي عبر ضرائب على الثروات المتكدسة بيد مالكي الثروة. 
3- وضع خريطة واضحة لتركز الثروة في الاقتصاد السوري، وإنشاء مؤشر لتوزيع الدخل الوطني بين أصحاب الأرباح والأجور، بين الذين يملكون الثروة ورؤوس الأموال والذين لا يملكون إلا قوة عملهم، ليتم السعي بشكل مستمر لزيادة حصة أصحاب الأجور من الدخل الوطني.
4- المطالبة الفورية بوقف عمليات خصخصة القطاع العام كافة، ذات الأشكال المختلفة، وضرب الفساد المستشري فيه، وإطلاق أوسع رقابة عمالية وشعبية عليه، وجعله محور عملية التنمية الرئيسي في هذه المرحلة الصعبة وما يتبعها. كما ينبغي وضع قوانين جديدة تؤمن حقوق العمال بشكل أكبر من السابق، ما يشمل حتماً التراجع عن قوانين العمل والتأمينات التي صيغت على أُسس اللبرلة.
5- وضع خطة وطنية للعمل فوراً على استعادة كافة خبراتنا الوطنية التي هُجرت، أو أُقصيت لأسباب غير محقة، وتعويضها بالضروري، وذلك إسوة بالتعويضات التي طالب بها كبار أصحاب رؤوس الأموال لاستثماراتهم.
6- إنشاء جهاز خاص لتخطيط القوى العاملة، يشمل تحديد قدراتنا الوطنية التي خسرناها، وسبل تعويضها بأسرع وقت ممكن، وبناء خطة استراتيجية لإعداد عمالنا وتعبئتهم بالشكل الأكفأ، في مرحلة إعادة الإعمار.
لا تمثل تلك الإضافات على رؤية النقابات (الاقتصادية- الاجتماعية) مطلباً خاصاً بالطبقة العاملة لأجل استعادة وزنها المسلوب وحسب، بل إنها الضمانة الحقيقية لإنعاش الاقتصاد الوطني موضوعياً، وانتشاله في هذه اللحظات العصيبة، وإعادة بنائه على أسس سليمة تخدم تطور المجتمع، واستعاد وتعزيز قوة الدولة، وخلاص الشعب من عوامل الأزمات السابقة التي أوصلت بلادنا إلى مصيرها المظلم اليوم.