نقابيو دمشق في مؤتمرهم السنويّ يطالبون: سياسة اقتصادية وطنية تدخلية تؤمن العيش الكريم للمواطن
اُختُتمت مؤتمرات المكاتب النقابية في دمشق بانعقاد المؤتمر السنويّ العام، بعد ثلاثة أسابيع متواصلة من العمل، قدّم فيها النقابيون مقترحات ومطالب هامة لتطوير عمل الحركة العماليّة وتنظيمها النقابي مع دخولها الدورة السادسة والعشرون من عمرها خدمةً للطبقة العاملة السورية.
افتتح المؤتمر بكلمة لرئيس الاتحاد حسام إبراهيم، أثنى في بدايتها على الجهود التي بذلتها الطبقة العاملة خلال الأزمة، وعلى كل وجهات النظر التي قدّمت في المؤتمرات، مؤكداً أنها دورة نقابيّة استثنائية تأتي في فترة استثنائية من عمر الوطن، مما يستوجب عليهم كقيادات نقابيّة أن ترتقي بأدائها وبالعمل إلى أبعد الحدود، وأن يعتبر كل منهم أن موقع عمله خندق وساحة من ساحات الحرب، مشيراً أن عمالنا مشروعية وجودنا، يجب علينا أن نبقى قريبين منهم ملتصقين بهم نساعدهم في حل مشاكلهم، وتلاف العقبات التي تعترض طريقهم، علينا أن نجسّد النقابية الحقيقية التي هي تاج على رأس النقابي، ولكن لا تمنحه إياه إلا القواعد العمالية.
وقال إبراهيم: نجحنا أحياناً ولم يحالفنا النجاح أحياناً أخرى، لكننا لسنا بصدد البحث عن تبريرات للإخفاق أو الفشل، بقدر ما سنبحث عن الوسائل والسبل الكفيلة بتحقيق النجاح، فالعمل النقابي عمل نضالي متواصل، مؤكداً على الدور الرعائي والإغاثي والرقابي للدولة، في ظل مفاهيم مؤسساتية جديدة ومتطورة تتدخل وتعتني بالمجالات والصناعات الاستراتيجية، وترعى الفقراء من خلال سياسة اقتصاديّة وطنيّة تداخلية تؤمن العيش الكريم للمواطنين كافة، مشدداً على ضرورة إصلاح القطاع العام الصناعي ومن خلال دراسة كاملة شاملة لهذا القطاع أفقياً وعمودياً، والعمل أيضاُ على إصلاح القطاع العام الإنشائي ودعمه وتطويره، ورفع قدراته التنافسية نظراً لأهميته الكبيرة خاصة في المرحلة القادمة.
عمال عاطلون بالتقادم
من جانبه قال خالد الزركي رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب: إن قرار تثبيت العاملين المؤقتين في الدولة ترك ارتياحاً كبيراً لدى هذه الشريحة، إذ كان مطلباً عمالياً ووطنياً بامتياز إلا أنه لم يعتمد مبدأ العدالة والموضوعيّة في التثبيت، بحيث اعتمد وضع شرط لعمال القطاع الإنشائيّ، أن يتم تثبيتهم بعد مضيّ أكثر من أربع سنوات على تعيينهم، بينما اكتفى بسنتين فقط لباقي قطاعات الدولة الأخرى، وتم حرمان عمال القطاع الإنشائيّ من عطلة يوم السبت دون أن يتم منحهم بدلاً نقديّاً عنه.
وأشار الزركي لمعاناة عمال القطاع الخاص التي باتت أكبر لأن الكثير من عماله باتوا عاطلين عن العمل بسبب إغلاق كثير من الورش، نتيجة الأزمة الراهنة، مما أفقدهم مصدر رزقهم الرئيس، والمطلوب إيجاد صيغة تكفل لهذه الشريحة الحياة الكريمة. مؤكداً أن القانون رقم /17/ المتعلق بالقطاع الخاص لم يلحظ خصوصيّة عمال القطاع الانشائي، مطالباً أن يتم تعديل هذا القانون بما يضمن حقوق هذه الشريحة من العاملين.
القانون المتوحش والشهير!
قدم عضو المؤتمر ممتاز مرزوق مداخلة حول معاناة عمال القطاع الخاص، ومنهم عمال الغزل والنسيج من القانون المتوحش الشهير برقم /17/ الذي تناغم مع سياسات اقتصاديّة ليبراليّة لحد التوأمة، ضارباً مصالح عمال القطاع الخاص، ووضعهم تحت رحمة أرباب العمل الذين وجودوا فيه سلاحهم العفن، منوهاً أنه وعلى الرغم من جميع الأصوات التي ارتفعت في وجه هذا القانون، ورغم كل الوعود التي تلقيناها في مؤتمراتنا، لم نر حتى اللحظة ما يبشر أن هناك قراراً بالتراجع عنه أو تعديله لمصلحة هذه الشريحة الهامة والكبيرة.
وتساءل مرزوق: هل امتلكت طبقتنا العاملة وتمثيلها النقابي هذه الرؤية التي تنطلق من مصالحها الوطنية والديمقراطية والاقتصادية الاجتماعية..؟ هذه الرؤية التي هي ضرورة وليست ترفاً معرفياً، لأن تفسير أسباب وعوامل ونتائج الأزمة بشكل واقعيّ وعلمي سيوصلنا إلى النتائج المرجوة.
كما أكد النقابي شبلي أبو مغضب على ضرورة القطع مع السياسات الليبرالية الاقتصادية، ووقف مفاعيلها والعودة عنها، وهي التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة؛ والتي ساهمت في زيادة الاستقطاب الطبقي، وفي زعزعة الإنتاج الوطني، وأضعفت مواقع قطاع الدولة، وأدت إلى سوء الأحوال المعاشية للجماهير الشعبية، وزيادة البطالة خاصة بين الشباب.
وطالب أبو مغضب بتوسيع وزيادة دور الدولة وحماية الإنتاج الزراعي، وتطهير جهاز الدولة من الفاسدين وخاصة الكبار منهم، وذلك بمكافحة الفساد والضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بقيمة الليرة السوريّة ولا يحافظ عليها، ووضع حد للغلاء، والعمل على إعادة الحقوق المكتسبة للعمال في القطاع الخاص.
المرأة وإجازة الأمومة
وألقت ميادة الحافظ رئيس نقابة عمال التبغ كلمة لخصت فيها مطالب المرأة العاملة، مطالبةً، بحق المرأة في إجازة الأمومة لباقي الأولاد بالمدة نفسها المحددة للطفل الأول، وعطلة يوم السبت في الشركات والمؤسسات التي لا تستفيد منها، مع ضرورة توحيد التعويض العائلي للأسرة والأولاد الثلاثة ورفع النسبة بما يتناسب مع مستوى المعيشة الحالي.
وأكدت الحافظ على الاهتمام بالعاملات في القطاع الخاص من خلال تحسين ظروف العمل واكتساب مزايا العامل في القطاع العام وانتسابهم للنقابات، وعلى منح الجنسية أو اكتسابها أو تجريدها أو استردادها للرجل والمرأة على حد سواء وبالشروط ذاتها.
ابعاد القطاع الخاص عن المحروقات
وركز علي مرعي رئيس نقابة عمال النفط على مشاكل توزيع المحروقات، مطالباً محاسبة كل من استجر المادة من الدولة ولم يفِ بحاجة المواطن من هذه المادة، ووضع رقابة تموينيّة وأمنية في محطات القطاع الخاص، لمعرفة كيفية تغطية هذه المادة بشكلها الصحيح، مؤكداً على تقديم محضراً تنفيذيّاً من محطات القطاع الخاص بالمادة التي تم استجرارها بشكل مفصل، لا أن تتم الرقابة على القطاع العام من محطات ومراكز توزيع بشكل يعيق عملية التوزيع من تموين وأمن، ودفاع وطني، في وقتٍ يجب أن تكون المراقبة على القطاع الخاص مع معايرة دائمة ومستمرة.
وقال مرعي: إن مكتب نقابة عمال النفط طالب دائماً أن تكون وحدات التعبئة تابعة بكاملها إلى شركة محروقات، وعدم تدخل القطاع الخاص في التعبئة، لأن تكلفة التعبئة مرتفعة جداً فيه، بينما وحداتنا وعمالنا في القطاع العام لا تتجاوز التكلفة لديهم الليرة الواحدة. منوهاً أن ارتفاع سعر مادة المازوت إلى 125 ل.س وأسطوانة الغاز إلى /1500/ ل.س أدى إلى إرهاق المواطن، لأن زيادة أسعار المواد الغذائية والنقل والصناعة كافة، لم يتم توفيرها، علماً أنها كانت متوفرة في السوق السوداء لكن بأسعار خيالية، وبين مرعي في ختام مداخلته التأييد الكامل والتام بتنفيذ البرنامج السياسيّ لحل الأزمة، وفتح الحوار مع العمال وتنشيط وتفعيل دور اللجان النقابية، والمحافظة على القطاع العام والعمل على إعادة تأهيل وتجهيز المنشآت.
دور المحكمة العمالية
بدوره طالب جمال المؤذن رئيس نقابة عمال السياحة، بضرورة العمل على تفعيل وتنفيذ مواد قانون العمل رقم /17/ بعد التعديلات الجاريّة عليه، وعدم التساهل في العمل بجميع مواده، باعتباره الراعي الوحيد لعلاقات العمل بين أطرافه، ويحدد الضوابط لطرفيه بين الحقوق والواجبات، مؤكداً على تشميل العاملين في القطاع الخاص بالزيادات والمنح، وبالسكن العمالي في مدينة عدرا العمالية، ولاسيما العمال الدائمين والمشتركين في التأمينات، وطالب المؤذن بمعالجة واقع عمال الفاتورة في وزارة السياحة، الذين يعملون منذ أكثر من عشر سنوات دون أية عقود أو اشتراك تأميني وبأجور متدنية تخالف أساساً الحد الأدنى للأجور المعمول به، والتأكيد على استمرار عمل المحكمة العمالية بما يخدم العمال.
التسريح التعسفي.. مقتل
ولفّت مازن دكاك رئيس نقابة عمال الصناعات المعدنية إلى أن بعض القوانين النافذة بحاجة ماسة إلى التعديل، من أجل أن تتماشى مع أحكام الدستور الجديد، كالقانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004. مشيراً أنه وبعد أحد عشر عاماً من صدوره أثبت التطبيق العملي أن الحاجة ملحة لتعديل بعض مواده وإلغاء الكثير منها مع إضافة مواد جديدة، متسائلاً: هل من العدل أن يمارس العامل المؤقت عمله في القطاع العام لمدة تزيد عن عامين لتأتي المادة /146/ منه وتحرمه من حقه أن يكون عاملاً دائماً محصنناً من قرارات التعسف بفصله من العمل؛ والتي تنص في إحدى فقراتها على أن العقد المؤقت مهما مدد أو جدد لا يتحول إلى عقد دائم. مطالباً تسوية أوضاع العاملين المصروفين من الخدمة أو الذين صدرت بحقهم قرارات بحكم المستقيل، ممن لم تصدر قرارات توقيف بحقهم من الجهات المختصة.
«كرامتنا تهان يومياً»
لم يعد العمال قادرين على تجاهل الفساد الكبير المحيط بهم ولم يعد بمقدورهم احتمال الفرق الشاسع بين الحد الأدنى الحقيقي للأجور وسقف الرواتب، هذا ما دفع أحد رؤساء النقابات بأن يصرخ أثناء مداخلته رافضاً هذا الواقع قائلاً: «العمال عم تجوع ونحنا ما عم نقدر نأمن احتياجات بيوتنا، كل يوم عم تزيد المشاكل بأسرنا، العامل اليوم عم ينهان، عم ينهان ببيتو وقدام ولادو لأنو ما عم يقدر يأمنلهن حياة كريمة» ليقاطعه العمال المحتشدين بالقاعة بالتصفيق...
المستفيد الحقيقي من التأمين!
من جانبه أوضح سامي حامد رئيس نقابة عمال الصحة من خلال تلمس نتائج التأمين أن المستفيد الأول من تطبيق التأمين الصحي، ليس المواطن والموظف الذي لطالما حلم بضمان آمن؛ وإنما تلك المستشفيات الخاصة والشركات الوسيطة المتعاقد معها من قِبل المؤسسة العامة السورية للتأمين، والتي هدفها الربح، الأمر الذي أفرغ المضمون الأساسيّ الذي صدر من أجله المرسوم.
أضاف حامد ملاحظات على الجوانب الإجرائية، إن القائمة طويلة للشروط التي تحدد الأمراض والحالات المستثناة من التأمين الصحي. ورأى حامد، أن غطاء التأمين الصحيّ ضيق، لذا يجب أن تكون التغطية شاملة للأمراض وخاصة الحرجة منها، التي لا يستطيع المؤمن عليه مواجهتها مادياً وصحياً. مفترضاً أن الخدمة المقدمة من جميع شركات التأمين الصحيّ يجب أن تكون واحدة لجميع المتعاقدين، ولا تختلف بين شركة وأخرى، خاصةً أن الشركة المشرفة على هذا المجال هي شركة واحدة «السورية للتأمين» وبالتالي فإن الإجراءات واحدة بما أن الأقساط التي يدفعها العامل واحدة.