من الأرشيف العمالي: تجربة الآخرين عبرة!
المطلوب تعديل السياسات المتعلقة بدور الدولة الاقتصاديّ كي يصبح أكثر كفاءة وفعالية، هذا الدور الذي تعرض للحت بسبب النهب والحصار الذي تعرض له قطاع الدولة من البرجوازية الطفيلية وحلفائها من البرجوازية البيروقراطية، لذلك تنصب مهمة مكافحة النهب الذي ينتج الفساد على جميع المستويات في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، كإحدى الأولويات الكبرى التي لا يمكن التهاون فيها، والتي على أساسها سيتقرر مصير قطاع الدولة اللاحق، ومصير ضرورة تحسين المستوى المعاشيّ للجماهير الشعبية. ومن نافل القول إن تعديل السياسات إذا جرى باتجاه إنشاء البنوك الخاصة؛ والأسواق المالية لن يصب إلا في الاتجاه المعاكس، ولن يفعل شيئاً إلا قوننة النهب الجاريّ وتثبيت الفساد المستشريّ، لأنه سيتحول إلى أهم الآليات المستحدثة لتطوير النهب والفساد، وتجربة الآخرين عبرة في ذلك.
وإذا كان المطلوب تعديل السياسات أعلاه، فهو ليس هدفاً بحد ذاته، إلا إذا ارتبط بتغيير السياسات المتعلقة بطريقة التعامل مع القضية الكبرى، ألا وهي المستوى المعاشي للجماهير الشعبية، وعلى رأس هذه التغييرات؛ تغير السياسة الأجرية جذرياً، والتي أثبتت ضررها خلال الفترة الماضية، وعنوان هذا التغيير إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور باتجاه رفعه كي يتناسب مع الحد الأدنى الضروريّ لمستوى المعيشة، وربط الأجور بالأسعار مما سيسمح بعد ذلك بربطه بالإنتاج فقط، والكف عن تمويل الزيادات على الأجور من أي رفع للأسعار، وإيجاد مصادر لهذه الزيادات من الفاقد الضريبي والجمركي الذي أصبح مرتعاً هاماً للنهب.
لقد أثبتت التجربة أن إجراءات عميقة من هذا النوع تتطلب دعماً شعبياً لكسر مقاومة جهاز الدولة البيروقراطيّ لها. وهذا لن يتوفر إلا بتوسع أجواء العلانية والمكاشفة التي سيوفرها إشراك أعداد أكبر وأكبر من الناس في النقاش حول المشاكل الموجودة وطرق حلها.
لذلك ترتبط في ظروفنا ارتباطاً عضوياً لا فكاك فيه القضايا الوطنية والاقتصادية - الاجتماعية والديمقراطية، والسير إلى الأمام في أيًّ منها سيوفر الأجواء للحلول الإيجابية للقضايا الأخرى، والتباطؤ والفرملة في أيًّ منها سيؤدي إلى كبح شامل في كل هذه المنظومة من القضايا المتشابكة، كما أن التراجع في أيًّ منها سيضعف وينسف إمكانيات تنفيذ الحلول في المجالات الأخرى؛ إن المهام الوطنية والاقتصادية - الاجتماعية والديمقراطية هي ثلاثة وجوه لقضية واحدة هي قضية الوطن والشعب، واليوم أصبح مستحيلاً السير في مهمة دون السير بالوتيرة نفسها والاتجاه نفسه في المهام الأخرى، فهل ستكون القوى الوطنية الديمقراطية في المجتمع والدولة على مستوى هذا التحدي؟! .. النتائج ستجيب على هذا السؤال.
قاسيون العدد 165 كانون الأول 2001