من الأرشيف العمالي
السؤال الأهم هو: ما العمل في هذا الظرف الدقيق والخطير لتجنيب اقتصادنا الوطني الآثار الضارة لهذه الأزمة، أو على الأقل التخفيف قدر الإمكان منها ومن تأثيراتها على مستوى معيشة الجماهير الشعبية الواسعة؟
إن دعاة اللحاق السريع بركب العولمة يطالبون بإصلاح اقتصادي يربط اقتصادنا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل لا فكاك فيه، مما سيحمله عبر آليات الربط المقترحة، ألا وهي البنوك الخاصة والأسواق المالية، كل آثار الأزمة بالشكل الخفيف الجاري حالياً والحاد القادم لا محالة.
وهؤلاء لا ينطلقون، ليس من مصلحة الاقتصاد الوطني عامة ومن مصلحة الجماهير الشعبية الواسعة خاصة، وإنما ينطلقون من مصالحهم الضيقة كون جزء هام منهم أصبح جزءاً لا يتجزأ من الرأسمال العالمي الذي يدير الكون ويتحكم فيه. وهم في دعواتهم المتأخرة للحاق بركب العولمة المتوحشة مثلهم مثل الذي يدعو الناس للذهاب إلى الحج والناس في طريق العودة منه.
ولكن يبقى الأهم هو صياغة الهدف الأساسي للإصلاح المنشود الذي إذا ما تحقق سيدفع البلاد قدما إلى الأمام وسيهيئ الظروف الموضوعية لتحسين معيشة الجماهير الشعبية الواسعة، وبكل بساطة يمكن اشتقاق هذا الهدف من الأسباب الأساسية التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي خلال السنوات السابقة، وحينما نقول تدهور إنما نقصد ليس المؤشرات الكمية التي يقاس التطور الاقتصادي عادة من خلالها، من خلال تطور الدخل الوطني ونمو الناتج الإجمالي الخ... وإنما نقصد مستوى معيشة الناس ومستوى الأجور وعلاقته بمستوى الأسعار وعدالة توزيع الدخل الوطني من حيث علاقة الأجور بالأرباح وهذه المؤشوات هي مؤشرات نوعية ومركبة، ومن خلالها فقط يقاس التطور الاقتصادي الحقيقي الذي تراجع فعلاً بسبب النهب والفساد الذي يعاني منها الاقتصاد الوطني.
إن هدف أي إصلاح اقتصادي اليوم يجب أن يكون حماية البلاد من نهب الاحتكارات الأجنبية المتواطئة في عملها هذا مع أوساط هامة من البرجوازية البيرقراطية ومع البرجوازية الطفيلية، وهذا النهب الواسع للاقتصاد الوطني هو الذي أوجد ظاهرة تفشي الفساد على مختلف المستويات مما زاد الطين بلة.
لذلك يصبح الإصلاح الاقتصادي الذي تريده الجماهير الشعبية الواسعة، والذي يعبر عن مصالحها هو ذلك الإصلاح الذي يقضي على النهب والفساد ويجتثهما من جذورهما، وفي ذلك المصلحة الحقيقية للدولة من أجل استمرارها في تأدية وظائفها الوطنية والاجتماعية.
قاسيون العدد 155 تموز 2001