استخدام العمال كورقة ضغط لأبعاد سياسية
لا اعتقد ان هناك من يستطيع، سواء في الدوائر الرسمية الليبية أو المصرية أن يحدد عدد العمال المصريين المقيمين بليبيا، وذلك بسبب حرية التنقل والحركة بين
البلدين الجارين وبحكم الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين.
يمكن ببساطة تحديد حجم العمالة التي تنتقل بمعرفة السلطات في البلدين وبعقود رسمية، أو ضمن اتفاقات معلومة. ولكن هذا النوع من العمالة المصرية في ليبيا يظل يشكل النذر اليسير من العدد الحقيقي للمصريين المقيمين في هذا البلد.
على أية حال كل التقديرات تقول إن عدد المصريين المقيمين في ليبيا يتراوح بين المليون ونصف والمليونين. وهذا الرقم هو الآخر غير مستقر؛ لأن العمال المتنقلين على حسابهم الخاص لا تطول مدة إقامتهم إذا ما لم تتوفر أمامهم فرص عمل، والتي غالبا ما تكون مع القطاع الخاص أو في الاقتصاد غير المنظم، والتي تحكمها أيضاً قدرة سوق العمل الليبي، وظروفه لاستيعابهم أمام المنافسة مع غيرهم من أشقائهم من دول الجوار، خاصة تونس والجزائر أو بقية العرب الذين لا يحتاجون إلى سمة دخول أو أية إجراءات أخرى للتواجد على الأراضي الليبية.
ما دعانا للحديث عن العمالة المصرية والحضور المصري عموماً في ليبيا، هو ارتفاع وثيرة النعرة العدائية لهذا الوجود التي بدأت تنتشر في بعض المدن الليبية من بعض الشرائح الاجتماعية والقوي السياسة، وتصنيفها للدولة المصرية ورعاياها في ليبيا على أنها العدو لمصالحها وتطلعاتها.
لم يحدث أن شهدت الجالية المصرية في ليبيا من قبل مثل هذا العداء الذي وصل حد القتل والاغتيال والاعتداء على الممتلكات والأرزاق، واختطاف السائقين المصريين وسياراتهم الشاحنة والمساومة بأرواحهم في ظاهرة لا تعكس إلا قدراً من البلطجة والابتزاز، وهي ظاهرة غريبة عن المجتمع الليبي.
لقد رفضنا في أوج الأزمة في العلاقات السياسية بين نظامي العقيد «القذافيّ» والرئيس الراحل «أنور السادات» في أعقاب قرار السلطات الليبية حينها الاستغناء عن العمالة المصرية وترحيلها، استخدام العمال كورقة ضغط لأبعاد سياسية، وهذا مثبت ومسجل، ويعرف النقابيون المصريون أكثر من غيرهم؛ أننا وقفنا إلى جانبهم في المحافل العربية والدولية كما في الداخل الليبيّ، إلى أن تم استيفاء حقوق وتعويضات كافة العمال الذين تم إقصاءهم.
اليوم، وأمام ما بدأنا نشهده من حالات عداء سافر للأشقاء المصريين، وارتفاع وتيرة التهديد والوعيد بحقهم، والتطاول غير المعهود وغير المسبوق على وجودهم في بلدهم ليبيا، خاصة بعد تطور الأحداث التي شهدها الغرب الليبيّ، وأمام حالة الفلتان الأمني التي طالت الليبيين قبل غيرهم، والاعتداءات الآثمة والبشعة على الأرواح والممتلكات. لا بد أن نأخذ تلك التهديدات مأخذ الجد، وأن لا نعتبرها تصريحات سطحية وتافهة صادرة عن بعض شذاذ الآفاق والخارجين عن القانون، ونضع الكف على الكف حتى يقع المحذور.
السلطات المصرية كما السلطات الليبية إذا كان لها بقية من تأثير على الأرض، والمنظمات العمالية، ومنظمات المجتمع المدنيّ، ومنظمات حقوق الإنسان في كلا البلدين، عليها أن تبادر إلى معالجة هذه المسألة ودون أي تأخير. عليها أن توحد الجهود لممارسة أقصى أنواع الضغط على الميليشيات المسلحة في ليبيا، وتحميلها مسؤولية أي خطر يطال الجالية المصرية في ليبيا، وضمان سلامة المصريين وأمنهم وحقوقهم كما بقية العمال العرب والأجانب الذين لا يزالون يقيمون بليبيا.
في وضع أمنيّ متردٍ تتجاذبه أطراف متناحرة على الصعيد المحليّ لها ارتباطها ومصالحها الخارجية، ولا سيما تلك التي لا تحتفظ بأي نوع من الود مع مصر ونظامها القائم، يمكن للمرء أن يتوقع السيناريوات السيئة، وأن تكون هي الأقرب. إننا لا نريد أن نسمع لا قدر الله أن ترتكب المجازر بحق أشقائنا كما بحق ضيوفنا ممن لا يقدرون المسؤولية، وممن يتغافلون عن الروابط والعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين في مصر وليبيا، وممن لا يحترمون القيم واحترام الجار، وممن لا أخلاق ولا ذّمة لهم.
وكالة العمال العرب