600 ألف عامل إداري يعانون بين الضمان والتأمين الصحيين!!
بزمنٍ قياسي، وخلال بضعة أعوام انتقل الاقتصاد السوري إلى الليبرالية واقتصاد السوق.. الانفتاح وتحرير التجارة، والانقضاض على القطاع العام، وصدّرت مئات القوانين والتشريعات التي تمنح القطاع الخاص التسهيلات والاعفاءات وميزات كبرى، طبعاً ليس القطاع الخاص الوطني المنتج، وإنما الطفيلي الذي يمارس السمسرة والتجارة والفساد.
مع هذا الانتقال الكبير، والذي ندفع ثمنه الآن دولة وشعباً، قدمت مشاريع قوانين عديدة إلى مجلس الشعب وتعثرت في الصدور وكانت لمصلحة الأكثرية من السوريين، كانت هذه القوانين تعد وتناقش وتحول إلى رئاسة الوزراء، وإلى اللجنة الاقتصادية، وإلى وزارة المالية ثم تحفظ في الأدراج.. وإذا صدر بعضها فإن أكثر موادها كانت تحابي الرأسمالية التجارية وأرباب العمل، وتنتقص من الحقوق المكتسبة.
العقد شريعة المتعاقدين
أبرز هذه القوانين، قانون العمل رقم 17 الذي صدر مع الانتقال إلى اقتصاد السوق، والذي أجاز لرب العمل تسريح العامل دون تغطية قانونية.. قبل هذا القانون كان العامل المسرح يحصل على 80% من الأجر أو الإعادة للعمل بالإضافة إلى الدفاع عنه في المحاكم العمالية، أما القانون 17 فينص على تعويض قدره أجر شهرين عن كل سنة عمل، ومع ذلك يرفض رب العمل الالتزام بذلك.. إضافة إلى نص «العقد شريعة المتعاقدين» وقوانين أخرى عديدة وأبرزها في هذا المجال قانون الضمان الصحي الذي طرح من قبل النقابات العمالية كشبكة أمان اجتماعي بالتوازي مع الليبرالية وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وأهمها وأبرزها الخدمية.
لن نستطرد هنا في الحديث عن هذه المشافي رغم ما تقدمه إلا أن خدماتها أصبحت محدودة، وهي مراكز لاصطياد المرضى إلى العيادات والمشافي الخاصة، وابتزازهم مادياً حتى الرمق الأخير، الطبيب موظف في مشافي الدولة ودوامه ساعة أو أقل يومياً ليذهب إلى عيادته ومتعاقد مع عدة مشافي خاصة، والمؤسف هنا، ومع طرح قانون الضمان الصحي أن الأطباء يرفضون التفرغ حتى لو منحوا
رواتب عالية.
طبعاً كل ذلك جرى في سياق إبعاد الدولة عن دورها الاجتماعي، والسؤال هنا: ما الفرق بين من يحمل إجازة جامعية، وبين الطبيب أو من يحمل دكتوراه في أي اختصاص ودكتوراه في الطب؟!.
رأي الاتحاد العام
المهم أن القرار كان استحالة تطبيق الضمان الصحي لعدم وجود تغطية مالية، فطرح القانون المبتور التأمين الصحي، والذي قال عنه حسين الأحمد أمين الشؤون الصحية في الاتحاد العام لنقابات العمال ما يلي: «من عام 2011 صدر القانون، والهدف منه تشميل العمال الذين ليس لهم مظلة صحية بعد فشل تطبيق قانون الضمان الصحي؛ وذلك من أجل العدالة، ورب العمل واحد وهي الدولة، لأن العمال لهم مظلة صحية في شركات القطاع العام وفي النقابات العمالية، وقد وافق اتحاد العمال على التأمين الصحي مع بعض الملاحظات، حيث بدأ العمل بالقانون وشمل 600 ألف عامل في القطاع الإداري بالتأمين الصحي، ورغم الوعود الكثيرة، فإن القانون لم يحقق الهدف المرجو منه حيث بقيّ عمالنا أداة ووسيلة لأرباح الغير، فكان الهدف الأساسي للشركة إدارة نفقات الربح على حساب العمال.
شركة غلوب لم تلتزم
ويعاني العمال الأمرين في كافة المناطق السورية من سوء المعاملة، ومن الروتين المقصود أحياناً، وأتت الأزمة في سورية لتزداد المعاناة والصعوبات بالرغم من كل القرارات الإدارية التي صدرت لتلافي الصعوبات، فإن الصعوبات قائمة وتتضاعف معاناة العامل هذا بالرغم من أهمية القانون إلى أنه لم يحقق الهدف المرجو منه، ومازالت الشكاوى على جميع المستويات وفي المحافظات كافة.
السؤال هنا: ما عمل شركة غلوب للتأمين؟ لأن العامل يحمل بطاقة هذه الشركة، ومدون عليها اسمه ومركز عمله، وتقدم إلى الطبيب والمشفى والمخبر المتعاقد مع هذه الشركة، ويدفع العامل 20% من نفقات العلاج، وبالمقابل يحسم من راتب الموظف مبلغ شهري حدوده الدنيا 300 ل.س شهرياً، ومع ذلك يعاني العامل الأمرين في بحثه عن الطبيب المتعاقد، ويتلقى إجابات من أكثر الأطباء والمخابر بأن عقدنا مع غلوب انتهى؛ وغلوب لا تلتزم بدفع النفقات، ويضطر العامل إلى العلاج على نفقته. الأحمد يؤكد على مسؤولية غلوب لكن المشاكل معها ومع غيرها قائمة ومستمرّة.
السؤال هنا: ألا يوجد في القطاع العام كفاءات إدارية وعلمية لإدارة النفقات الناجحة عن التأمين الصحي حتى يتم التعاقد مع شركة من القطاع الخاص؟ وهل استوردت شركة غلوب كوادرها من المريخ؟ وهل دخول القطاع الخاص ممثلاً بشركة غلوب لإدارة النفقات شراكة أو استثمار أو انتفاع أو محسوبية أو سرقة علنية للعامل والدولة؟!.
أسئلة عديدة تطرح نفسها
مع كل الأسئلة المطروحة لم نتفاجأ، لأن هناك سابقة أخرى حيث تعاقدت حكومة “العطري” مع شركة أجنبية لمراقبة جودة السلع والبضائع التي تدخل إلى سورية، والتي تنتج فيها وبمبلغ 200 مليون دولار سنوياً، رغم وجود هيئة المواصفات والمقاييس ومراكز مراقبة الجودة ومراكز أخرى عديدة، وتضم هذه الهيئات جيشاً من الكوادر والإداريين. افتتحت بدورها مكاتب في سورية في السنوات الماضية، وتقول إنها كانت متعاقدة مع شركات عالمية لمنح شهادة «الايزو» وتسابقت إدارات شركات القطاع العام للاتفاق مع هذه المكاتب للحصول على الايزو، وبمبالغ كبيرة تقدم لهذه المكاتب بعد مراقبة الإنتاج لمدة أسبوع أو أكثر هذا في حين كانت أغلب الشركات تتعثر في الإنتاج، وفي التسويق وتتلكأ في أبسط المطالب العمالية.
حالات مؤسفة
حذرنا منذ البداية من أن الليبرالية التي أقرت في سورية، كان هدفها الأول توجيه رصاصة الرحمة إلى القطاع العام، وانهاء دور الدولة، ونهب المال العام وهذا ما جرى، فقد رفضت عدة مخابر إجراء تحاليل الغدة الدرقية لموظفة في القصر العدلي لأن شركة غلوب لا توافق على هذه التحاليل. كما رفض آخر في ضاحية قدسيا إجراء تحاليل لأحد العمال المؤمن عليه رغم أن المخبر يضع إعلان تعاقده مع الشركة في الواجهة. بالإضافة لرفض أكثرية الصيادلة صرف الوصفات للمواطنين المؤمن عليهم، لأن الشركة لا تدفع المستحقات.