الحركة النقابية في ظل الأزمة (3) من أجل عقد مؤتمر نقابي «وطني» لاستعادة الدور
متابعة الأزمة التي تمر بها سورية، تظهر بشكل جليّ، أن المستفيد من هذه الأزمة، هم هؤلاء أصحاب «الليبرالية الاقتصادية» أي جماعة ، الحرية الاقتصادية، للرأسمال، وإضعاف دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي فمنذ بداية الأزمة اضطرت الدولة إلى تعويم الليرة السورية أي تركها عرضةً للعرض والطلب في السوق، ولقد صاحب ذلك ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع واضح في الأجور..
وكان تعويم الليرة السورية جزءاً لا يتجزأ من مشروع الليبرالية الاقتصادية السورية، وحين نوجه الأنظار إلى الليبرالية، فإن السبب واضحٌ جداً، أي في نتائج، هذه الليبرالية على الحياة الوطنية، إذ تؤدي إلى إضعاف الحس الوطني، وشرذمة الشعب وتهميش العديد من الفئات الاجتماعية، إذ تلعب قوانين الليبرالية الاقتصادية، دور إعلاء شأن أقلية من الشعب في وجه الأكثرية، فالتوجه إلى مزيد من الحرية للتجار والرأسماليين «غير الصناعيين» يؤدي إلى إضعاف «خزينة» الدولة، وتراجع موازنات الدولة، والقطاعات العامة أكثر فأكثر مما يؤدي إلى تخلي الدولة بنفس الحجم من التراجع، عن تدخلها الاقتصادي - الاجتماعي والتخليّ عن الدعم وعن الخدمات الاجتماعية المجانية، كالصحة والتعليم.
الانخفاض التدريجيّ للحقوق
فالقانون/17/ أطلق يد الرأسماليين في تسريح عمال القطاع الخاص. وجاء مع قانون التشاركية، محاولةً لتوضيب البيت الداخلي الاقتصادي، على الطريقة الليبرالية، وهو الأمر الذي يدفع باتجاه الحوار الدائم مع الكوادر النقابية، التي تمثل وعي العاملين في الدولة، هؤلاء العاملين، الذين أثار اهتمامهم تراجع القطاع العام، والانخفاض التدريجي للحقوق التي ضمنتها القوانين والأنظمة، كالطبابة، والألبسة والسكن والعمل الإضافي، والحوافز.. الخ، والتي تتعرض أكثر فأكثر للتراجع جراء تراجع موازنات الجهات العامة، التي تحكم بها الفساد، وهو الوجه الآخر، لليبرالية الاقتصادية، فمن الملاحظ جيداً أن بعض الكوادر النقابية، التي تحمل وعي «الدولة» تنزعج جداً، في الحديث عن الفساد، والبعض الآخر من الكوادر النقابية تتصدى لهذا الفساد، وتتحدث عنه وتعتبره علَّة جهاز الدولة والقطاع العام..
وعيّ الدولة
إن المواقف المختلفة للكوادر النقابية ناجمة عن اختلاف المواقع والأماكن التي كان يشغلها النقابيون في أماكن عملهم، في القاعدة الإنتاجية أو في الجهاز الإداري أو المواقع المتقدمة في جهاز الدولة، وهذا ما يفسح المجال أمام وعي الكوادر النقابية، بين وعي «الدولة» ووعي العاملين في الدولة، فالاهتمام بالحركة النقابية، نابع من دورها التاريخي في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، وفي تطبيق هذا الشعار نلاحظ أن الحركة النقابية هي الممثل للعاملين في الدولة. ولكن غياب مشروع متكامل في الدفاع، عن أماكن العاملين في الدولة، يبين أن الحركة النقابية تتراجع عن مواقعها في قطاع الدولة بعد أن فقدت مواقع لها في القطاع الخاص مع صدور القانون /١٧/ ومساوئه ولا سيما المرتبطة بعدم تحديد ساعات العمل والأجور وغيرها من الحقوق الأساسية لعمال القطاع الخاص، الذين هم جزء من الطبقة العاملة، في مواجهة الرأسماليين، أما العاملون لدى الدولة فوعيهم خاص بهم، وهم لا يقعون في الموقع المناقض للرأسماليين، بل هم في مواجهة الإدارات، وما نلاحظه من واقع الحال للحركة النقابية، أثناء الأزمة وما قبلها لا يعبر حتى الآن عن مصالح العاملين في الدولة، إذاً من المطلوب، النضال من أجل حماية أماكن عمل هؤلاء وحماية حقوقهم ومكتسباتهم التي بدأت بالاضمحلال نتيجة عدم متابعة أحوال القطاع العام وجهاز الدولة والعاملين فيه، ولدى الحركة النقابية، من الكوادر الواعية والمتفهمة ما يفسح المجال أمامها للإجابة عن كافة القضايا والمسائلْ المطروحة على الحركة النقابية، فالأزمة كبيرة جداً، وكان من المفترض الدعوة لعقد مؤتمر نقابي «وطني» يمكن الحركة النقابية من إعادة رسم سياساتها العامة، والعودة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
التسريح التعسفيّ
والإمكانات متوفرة بشكل كبير في الحركة النقابية من خلال القوانين التي تدعم القطاعات الاقتصادية وتخليص خزينة الدولة ومؤسساتها من مافيا الفساد، التي تحول قسم منها بعد النهب المنظم للدولة إلى مواقع الرأسمالية الجديدة، التي تطرح شعار إبعاد الدولة عن تدخلها الاقتصادي والاجتماعي وترك الحركة الاقتصادية للرأسماليين، أما تمثيل الطبقة العاملة، فهذا شأن له حديث آخر. يتعلق بالعمل النقابي الميداني في صفوف عمال القطاع الخاص، الذين هم وحدهم يطلق عليهم مفهوم الطبقة العاملة، وأمامكم المدن الصناعية الكثيرة التي يتواجد فيها هؤلاء العمال، لتقيموا فيها مراكز الخدمات الاجتماعية والصحية، وتأسيس صناديق المساعدة من اشتراكات هؤلاء العمال جنباً إلى جنب، كوادر نقابية قادرة على العمل بين صفوفهم ومن الضروري وضع برنامج عمل اقتصادي، يحمي المؤسسات السيادية، ويبقيها بيد الدولة، في السبعينيات من القرن الماضي كان هناك توافق بين توجه الدولة ومصالح العاملين في الدولة وعمال القطاع الخاص من خلال تدخل الدولة الاقتصادي والاجتماعي، والدعم الحكومي للطاقة وبعض المواد الغذائية الشعبية، وخاصةً دعم الليرة السورية لحماية الأجور ورأسمال الشركات والمؤسسات والجهات الحكومية والعامة، ولقد وفر ذلك مناخاً وطنياً هاماً انتعشت فيه مكتسبات العاملين لدى الدولة وعمال القطاع الخاص الذين استفادوا من المرسوم رقم /49/ المانع للتسريح التعسفيّ، هذا المرسوم الذي صدر بدعم من الرأسمالية الوطنية التي كانت خائفة من هجرة العمال إلى الدول المجاورة.