القطاع الخاص يفاقم الوضع الاقتصادي - الاجتماعي
منذ اعتماد السياسات الليبرالية كسياسة موجهة للاقتصاد السوري في القطاعين العام والخاص، جرى تضخيم الدور الذي من المفروض أن يلعبه القطاع الخاص اقتصادياً واجتماعياً، وبناء على هذا الدور المنوط به شُرِّعت الأبواب وفُتحت على مصراعيها أمامه من أجل أن يحتل الموقع المراد له أن يحتله وفقاً لما يقدمه صندوق النقد والبنك الدوليان من توصيات وتوجيهات واقتراحات لكي يتحول الاقتصاد السوري من اقتصاد خاضع للتخطيط والمركزية في إقرار مشروعاته، إلى اقتصاد حر داخلياً خاضع خارجياً لمتطلبات وتقلبات أسواق الاستثمار وحاجات وأهداف الأموال المطروحة للاستثمار، وهي مشكوك في نظافتها وأهدافها السياسية والاقتصادية.
فالحكومة السابقة التي كان يقودها فريق اقتصادي كرّس كل إمكاناته ونفوذه السياسي والاقتصادي لكي يقود التحولات الليبرالية تحت شعار (الإصلاح والتطوير)، أوصل البلاد والعباد إلى مأزق حقيقي يصعب التكهن بمآلاته النهائية، لأن ما جرى انتهاكه من حقوق في الواقع، كان عميقاً من حيث آثارة الكارثية على حياة الناس، وخاصةً مستوى معيشتهم، التي وصلت بسبب تلك السياسات والإصرار على اعتبارها المنقذ، إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر واتساع جيش العاطلين عن العمل من شتى شرائح المجتمع وخاصة حاملي الشهادات وأصحاب الكفاءات.
لقد بينت الأحداث الجارية حجم الاختراق الاقتصادي الكبير الجاري، وأحد أشكاله الواضحة هو الكَمُّ الهائل من القوانين والمراسيم التي ثبتت مواقع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وأعطته القدرة على أن يصول ويجول ويقرر اتجاه التطور الاقتصادي والاجتماعي الجاري بناؤهما على أنقاض القطاع العام، الذي كان القلعة التي حمت استقلالية القرار السوري في أن يكون ممانعاً وداعماً للمقاومات في مناطق التَماس الساخنة.
إن القطاع الخاص الذي اعتُبِر ومازال يُعتبَر قاطرة النمو التي ستحل الأزمات العميقة في المجتمع السوري، لم يستطع أن يقدم أية حلول حقيقية لها، لا بل يلعب القطاع الخاص الآن دوراً خطيراً في تعميق تلك الأزمات، وخاصة أزمة البطالة والعاطلين عن العمل، حيث يقوم في هذه الأيام، وفي ظل التوتر القائم، بإغلاق الكثير من منشآته وتسريح العمال بالجملة والمفرق، أو يقوم البعض من أصحاب المنشآت الخاصة بإعطاء العمال إجازات على حسابهم الخاص، ويشغل منشأته بنصف طاقتها الإنتاجية أو أدنى من ذلك، وكل ذلك يجري تحت حجج أن هناك أزمة اقتصادية/مالية بسبب الأحداث وتطوراتها، وأنه لم يعد بالإمكان تشغيل المنشآت (الصناعية، السياحية) في ظل الأزمة الحالية، وبالتالي فالحل الأسلم من وجهة نظرهم تسريح العمال أو توقيفهم عن العمل ولو مؤقتاً.
اللافت للنظر إزاء هذا السلوك هو موقف الحكومة الصامت رغم خطورة ما يقوم به القطاع الخاص من تعطيل للحياة الاقتصادية ومن مفاقمة للوضع الاجتماعي المتمثل بزيادة أعداد العاطلين عن العمل وارتفاع عدد المهمشين، وبالتالي زيادة نسب الفقر التي ستفجر الكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت كامنة قبل الأحداث.
واللافت للنظر أيضاً موقف النقابات من عمليات التسريح الجارية بحق العمال، والتي لم تحرك ساكناً دفاعاً عن حقوق العمال في استمرارهم بالعمل وضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف عمليات التسريح، وهذا أضعف الإيمان، لأن وقوف النقابات إلى جانب العمال برفع الصوت النقابي في مواجهة أرباب العمل، واتخاذ إجراءات عملية لوقف هذا الاعتداء على حقوق العمال، سيشكل ضغطاً حقيقياً على الحكومة بأن تتخذ إجراءً سريعاً يطالب القطاع الخاص بأن يوقف إجراءات التسريح التعسفي التي استندت على ما منحه قانون العمل 17 لأرباب العمل من صلاحيات واسعة في التحكم بمصير العمال وتقرير مستقبلهم، ذاك القانون الذي كان حصيلة التحالف غير النظيف بين الحكومة وفريقها الاقتصادي من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى.
إن المهمة الأولى التي تواجه النقابات الآن، والتي من المفترض النضال من أجلها وتعبئة كل القوى لها، هي وقف عمليات التسريح الجارية بحق العمال، والعمل على منع القطاع الخاص من الاستمرار في نهب جهود العمال ورميهم إلى الشوارع في أوقات الأزمات، وكل ذلك على طريق إعادة الحقوق إلى المنتجين الحقيقيين وحمايتهم من كل من يتغوّل عليهم سواء بحرمانهم من حقوقهم المادية، أو بإغلاق المنشآت التي يعملون بها، أو بانتهاج سياسات اقتصادية على النقيض من مصالحهم.