من الأرشيف العمالي: خطط المواجهة والاقتصاد الوطني
من المفيد لفت النظر إلى إطروحة تضليلية تحاول أن تضع مجموع عملية الإصلاح على «السكة الغلط»، وهي تدعي أن السير في طريق الإصلاح الاقتصادي بمعناه الليبرالي الذي يتجاوب مع مصالح قوى السوق والسوء سيفضي إلى ديمقراطية سياسية، والواضح أن قوى السوق العالمية تحاول في ظل العولمة المتوحشة فرض شروطها الاقتصادية على العالم بأجمعه، وهذه القوى لها امتداداتها المحلية التي تسعى ليس فقط للهيمنة الاقتصادية، وإنما أيضاً من خلالها إلى الهيمنة السياسية، وهي حين لا تستطيع الوصول إلى أهدافها السياسية مباشرة، تضغط بكل قواها اقتصادياً كي تمهد السبيل لأهدافها النهائية.
وإن أهدافها الاقتصادية معروفة، وهي بنهاية المطاف إزاحة الدولة عن مقاليد التأثير على القرار الاقتصادي، ونقل مركز الثقل في هذا المجال إلى أيديها من أجل الاستيلاء لاحقاً على جهاز الدولة نفسه، والطريق إلى ذلك معلنة وهي: إلغاء دعم السلع الأساسية من أجل إلغاء أي دور اجتماعي للدولة، أي من أجل تخفيض دور الدولة في المجتمع، ومن ثم الانتقال للسيطرة على العملة المحلية عبر ما يسمى تحريرها أو تعويمها أي بكلام آخر إغراقها وتخليصها من حماية الدولة، بحجة فتح الطريق لإنشاء بنوك خاصة وأسواق مالية، وصولاً إلى خصخصة قطاع الدولة أي نهبه النهائي بشكل مشروع وعلني.
وكل ذلك ليس هدفاً بحد ذاته في مخططات قوى السوق بل مرحلة وسيطة تمهيدية، تطبيقاً لحقيقة معروفة وهي: من يملك يحكم ومن لا يملك لايحكم، وهي تريد أن تمتلك الأخضر واليابس من أجل فتح الطريق واسعة للسيطرة على كل القرارات التي ستسخرها لخدمة قوى السوق الدولية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وإذا كان برنامج قوى السوق معروفاً وواضحاً، فبرنامج القوى المناوئة لها معروف وواضح أيضاً، وبينهما لا مكان لبرامج وسطية قابلة للتطبيق والنجاح، وإذا توهم البعض أنه بتقديم بعض التنازلات لقوى السوق المحلية يمكن أن يخفف ضغط قوى السوق العالمية، فإن جميع هذه القوى تنظر إلى هذه التنازلات كمكاسب تسعى من خلالها إلى الحصول على مكاسب أكبر وأوسع.
أي بكلام آخر، إن أي برنامج توفيقي بين البرنامجين النقيضين في الظروف الإقليمية والعالمية الحالية محكوم بأن يكون خطوة فعلية باتجاه التمهيد لتطبيق برنامج قوى السوق كاملاً غير منقوص، يهيئ لقفزتها الأخيرة على مقاليد القرار السياسي.
إن إرضاء قوى السوق مستحيل، لذلك يجب أن لا يهاب أي وطني إغضابها، وهي أصلاً لم تترك للآخرين إلا هذا الخيار، خيار المقاومة الشاملة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.