البيروقراطية في القطاع العام.. ظل البورجوازية والنقابات العمالية أمام مرحلة جديدة!!
في العقود الأربعة الماضية كان القطاع العام هو القطاع الأساسي في سورية بفروعه المختلفة، والحصة الأكبر والإنتاجية الأعلى كانت للقطاع العام بتجهيزاته وآلاته، بموارده الأولية ومستلزمات إنتاجه، بعماله وكوادره المؤهلة بالاستثمارات الضخمة التي نفذت لدعمهوتطويره.
ثمة سمة مميزة للقطاع العام الصناعي تتجسد في تركز معظم نشاطاته في ميادين إنتاجية اساسية، وضمن شركات ومؤسسات ضخمة بالمقاييس الوطنية.
بعد المتغيرات
هنا لن نتحدث عما آل إليه القطاع العام بعد المتغيرات الاقتصادية واقتصاد السوق، متغيرات، نعم، اقتصادية وسياسية ورغم ذلك بقي البعض من القيادات النقابية العمالية متمترسا في فكره وفي موقفه وفي موقعه، لأن هذا البعض اعتقد منذ البداية بأن إقامة القطاع العاموالسير أو التوجه في الطريق اللا رأسمالي يلغي الصراع الطبقي ويلغي النقابية المطلبية... واستجابة لذلك طرحت النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي.
ماذا حدث
نشأت بيروقراطية في شركات ومؤسسات القطاع العام، ولم تكن هذه البيروقراطية إلا ظلاً للبورجوازية، وليست ظاهرة طبيعية في القطاع العام، إدارات ترى أن المعامل والشركات ممتلكات خاصة بها، وهي تعلم على أساس الولاءات المختلفة للجهات التي تدعمها. بغضالنظر عن النتائج، وهي لا تألو جهداً للحديث عن ضرورة دعم القطاع العام وحمايته وتطويره وتعزيز موقعه. وتعديل دوره الرئيسي في الاقتصاد الوطني. وهي بالمحصلة تدافع عن مكاسبها وامتيازاتها. وترى في ضغط النفقات من رواتب وتعويضات العاملين منطلقاًلإعادة الهيكلة والإصلاح وهي في الوقت نفسه ترتكب الموبقات بحق القطاع العام وبحق التنمية وحق الوطن.
الأعراض المرضية
البيروقراطية في شركات ومؤسسات القطاع العام، ظاهرة مرضية ومن أبرزها: سيادة المنهج المكتبي والعزلة عن العملية الإنتاجية والانفراد في اتخاذ القرار رغم وجود لجنة إدارية ومجلس إنتاجي بالإضافة إلى تنظيمات أخرى تضم عمالاً وإداريين ومستقلين إلخ... رغمذلك، القرار على كل الأصعدة للمدير العام حتى لو تحفظ الجميع، ونادراً ما يكون هناك تحفظ، وفي ظل هذا الواقع انتشر الفساد وتم استنزاف الإمكانات المادية والبشرية على حساب العمل المنتج الفاعل.
العمل الأبرز
لم نكن نستغرب أن تجد إداريين في شركة إنتاجية أكثر من عمال الإنتاج، وعمالاً في شركة إنتاجية يتم ندبهم إلى مواقع إدارية وخدمية، وقد تجد في شركة واحدة 300 عامل مفرغ ويقبضون رواتبهم وتعويضاتهم على حساب عمال الإنتاج.
وهنا لن نسأل عن التنمية البشرية والتأهيل المهني وإعداد الكوادر لأن شركاتنا متخمة بهذه الكوادر في جميع المجالات. ولكن يبقى السؤال الهام والمطروح هو: ماذا عن التنمية الأخلاقية؟
إن التنمية الأخلاقية ليست مفهوماً طوباوياً أو حلماً في ظروف العولمة واقتصاد السوق والاستهلاك الترفي حيث تنتقي في ظله المفردات الأخلاقية وتترسخ مفاهيم الشطارة والفهلوة والتجارة والربح.. التنمية الاخلاقية يجب أن تكون ملازمة للتنمية الاقتصادية وتعد عاملاًأساسياً في إنجاز مهمات التنمية الاقتصادية.
إدارات وأصولها
لم تكن هذه الإدارات من أصول طبقية غير عمالية، بل أن أكثرهم إذا لم نقل جميعهم من أصول عمالية وفلاحية بل أن القواعد المتبعة كانت ومازالت مستمرة في تعيين إدارات من جهات متنفذة عديدة... إدارات أقل ما يقال إنها لا تملك الكفاءة المؤهلة... ساهمت ومازالت فيتخريب القطاع العام عبر ممارسات فاسدة ومكشوفة بشكل صارخ... وعبر علاقات مشبوهة مع التجار والسماسرة ومع بيوتات تجارية أجنبية. ومن هنا ظهرت البيروقراطية وهي البيروقراطية الأسوأ ويمكن تسميتها اليوم ببرجوازية حديثة النعمة.
أين النقابات
الحركة النقابية عليها الوقوف بالمرصاد لكل مظاهر الخلل في المؤسسة الإنتاجية، لكل المظاهر البيروقراطية، وذلك من خلال ما أقرته القوانين في اللجنة الإدارية والمجلس الإنتاجي... ومن المؤسف أن قيادات نقابية عديدة كانت ومازالت تتفرج على إدارات منحرفة.. علىإدارات تنغمس في الفساد وتتخذ قرارتها ضاربة عرض الحائط باللجنة الإدارية والمجلس الإنتاجي.. بل وفي أكثر الأحيان يتم توقيع المجلس واللجنة على قرارات خاطئة.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو:
أين كانت النقابات عندما كان يتم تعيين إدارات أقل ما يقال عنها إنها لا تملك الكفاءات المؤهلة.. كان هناك تحالف مكشوف بين بعض القيادات النقابية وهذه الإدارات.. وكان الخطاب النقابي في أكثره التستر على الإدارات الفاسدة أو التستر على ما يجري في شركات القطاعالعام من أجل الحفاظ عليه. ومن أجل أن لا ننشر غسيلهم الوسخ.
مؤسسات ولكن
المجالس الإنتاجية خلقت نقطة تماس أساسية مع الواقع بجميع مشكلاته وخفاياه في المؤسسة الإنتاجية، ومع ذلك فقد تم تجميد أكثر هذه المجالس في قوالبها، وبقيت شكلاً دون مضمون وأضيفت إلى ركام الشكليات الموجودة، وأصبحت صورة طبق الأصل عن الأجهزةالمخططة والمنفذة. هي صيغة مجدية لإخراج النقابات من المكتب والسيارة والامتياز إلى الميدان. وهي صيغة لإرساء علاقات عمل صحيحة، ولإرساء علاقات تفكير وحلول جماعية في المنشأة، وفشلت أكثر هذه المجالس في القيام بدورها.
إن الخلاصة التي لا بد من قولها في هذا السياق هي إن مهمة النقابات كبيرة جداً في القطاع العام، ليس في زيادة الإنتاج وتحسينه فقط كما طرح في سنوات سابقة، المهمات الأبرز: رصد الإدارات المنحرفة لرصد الفساد بكل مظاهره. والعمل الجماعي والقرار الجماعي.العمل ضد مظاهر البيروقراطية والترف. وهو واجب وطني وطبقي في آن واحد.