بصراحة: الإسلام السياسي والطبقة العاملة
لعب الاسلام السياسي دوراً سياسياً مهماً في الحراك الشعبي الناشئ في منطقتنا لعوامل عدة أهمها غياب الدور الحقيقي للقوى الوطنية، واليسارية تحديداً عن التأثير والفعل في الشارع الشعبي من حيث الدفاع عن حقوقة ومصالحه المرتبطة بحرية التعبير، والدفاع عن المصالح العامة للطبقات الشعبية والمهمشة التي ازدادت أعدادهم بفعل عملية الإفقار الواسعة التي تعرض لها المهمشون والفقراء نتيجة تبني الأنظمة، والحكومات للسياسات الاقتصادية الليبرالية مما عمق الفرز الطبقي في المجتمع، وأنتج ناهبين جدداً،
وفقراء جدداً مما جعل الأرضية مهيأة لانفجار شعبي واسع عبر عن مطالبه المشروعة، وطالب بحقوقه المنهوبة، والمصادرة، ولكن بشكل عفوي، أي دون قيادة سياسية حقيقية تمتلك برنامجاً نضالياً يتبناه الحراك الشعبي، ويدافع عنه باعتبار ذلك برنامجه الذي يعبر عن حقوقه ومصالحه في عملية التغيير التي ينشدها الحراك الشعبي في مواجهة البرنامج الآخر المطروح من القوى المتبنية اقتصاديا، وسياسياً برنامج الأنظمة الاقتصادي السياسي الليبرالي الذي جر الويلات على شعوب المنطقة وجعلها رهينة للسياسات الامبريالية الصهيونية ومشاريعها في الاستيلاء على مقدرات الشعوب، ومنها خزان النفط الكبير الذي يمكن من خلال الاستيلاء عليه تماما أن يجري التحكم في إقتصاديات الدول المعتمدة عليه كالصين والهند، باعتبارها اقتصاديات تحمل القدرة على منافسة الاقتصاد الامبريالي الأمريكي في مناطق نفوذه التقليدية، ومن هنا يصبح مفهوماً الدعم الإمبريالي الواسع لقوى الإسلام السياسي يأتي في طليعتها الإخوان المسلمون في الدور الذي لعبوه في الحراك الشعبي الذي جرى في مصر، وتونس من حيث إفراغ المضمون الثوري للحراك، وتأريضه، وقيادته باتجاهات أخرى تجعل من عملية تغيير «الطربوش»عملية نهائية للحراك، ومطالبه التي خرج من أجلها، وقدم الشهداء، والمعتقلين لتحقيقها، وجاء من يقطف ثمارها من خلال ركوب موجة الحراك، وتقديم الشعارات الطائفية التي تقول للجماهير الفقيرة أن لاحل إلا من خلالها.
إن الحركة الشعبية، ومنها الطبقة العاملة، ومن خلال تجربتها، ومن خلال سلوك الإخوان المسلمين، وحلفائهم على الأرض بعد وصولهم إلى السلطة، وطرحهم لبرنامجهم السياسي، والاقتصادي الذي لايختلف عن برنامج الأنظمة التي جرى فيها التغيير وفقاً للطريقة التي جرت سواء الموقف من العدو الصهيوني حيث أكدت القوى الإسلامية أن لاتغيير في الموقف من اتفاقية كامب ديفيد، واستمرار العلاقة مع العدو، أو الموقف من التوزيع العادل للثروة لمصلحة من خرجوا إلى الشارع من أجل حقوقهم الاقتصادية والسياسية التي بدأ الهجوم عليها من جديد، وخاصةً حقوق الطبقة العاملة لنجد القوى السياسية الاسلامية جادة في تنفيذ البرنامج الليبرالي، حيث طرح ممثلو الإخوان في مجلس الشعب المصري مشروع قانون الحريات النقابية جوهره تفريغ العمل النقابي من مهامه الأساسية، وتجريد العمال من أية قدرة لهم في الرد والدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والسياسية، فقد اقتصر دور النقابات كما هو مقترح من ممثلو الإخوان علىالتدريب، وتنظيم الاحتفالات، واصدار الصحف والمطبوعات، وإنشاء معاهد للتثقيف، وعدم المشاركة في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي في التشريعات التي تمس المهنة، أو الصناعة، وكذلك منع حق الإضراب، وإنشاء صناديق داعمة للعمال عند الإضرابات...الخ، وهذا الموضوع ينسحب على دور حزب النهضة الإسلامي في تونس الذي يحاول تقييد الحريات النقابية، وتأطير مهام الاتحاد التونسي للشغل الذي كان له دور مهم في الحراك الشعبي التونسي، أيضاً في البحرين جمعية الوسط العربي الإسلامي تدفع باتجاه تأسيس نقابات «حرة» مرتبطة بالاتحاد الحر للنقابات المهيمن عليه صهيونياً وأمريكياً، وأيضاً في لبنان يجري تقسيم الحركة النقابية على أساس طائفي، ومحاصصة طائفية كما هو الحال في كل شيء في لبنان، والنقابات في الأرض المحتلة ليست أحسن حالاً فهي مقسمة بين حركة فتح وحركة حماس، وهناك اتحاد آخر عضو في الأتحاد الحر، ويأخذ اعانات من نقابة الهستدروت الصهيوني.
في سورية الوضع مختلف من حيث التأثير السياسي لقوى الإسلام السياسي على الطبقة العاملة السورية كطبقة، السبب في ذلك يكمن في ضعف قوى الإسلام السياسي التاريخي، وعدم تجذرها في المجتمع هذا جانب، والجانب الآخر وهو الأهم في الدور الذي لعبه الشيوعيون في تأسيس الحركة النقابية، وقيادة نضالاتها في المراحل المختلفة من عمر الحركة النقابية والعمالية وقدموا الشهداء، وعانوا كثيراً من التشرد بسبب الملاحقة لهم، لمواقفهم المتجذرة في الدفاع عن الحقوق المشروعة للطبقة العاملة، ولكن مانريد التنبيه له، وهذا برسم كل القوى الوطنية والتقدمية، أن هناك محاولات تجري للتأثير على الطبقة العاملة باتجاه دفعها نحو تأسيس نقابات مستقلة مرتبطة بالاتحاد الحر تحت دعوى التعددية النقابية، والاستقلالية النقابية تحت دعوى أن النقابات الحالية لم تعد قادرة على الدفاع عن حقوق العمال، وهي نقابات سلطة لا يمكنها القيام بدورها المفترض القيام به، وهذا الحديث يستند إلى وقائع على الأرض خبرها العمال خلال الفترة المنصرمة، وهذا ما كنا نحذر منه، ونسعى لتجاوزه مع كل القوى النقابية التي ترى في الحركة النقابية إحدى القوى الهامة في المجتمع لمواجهة السياسات الليبرالية، ونتائجها الكارثية على الدولة والمجتمع معاً.
إننا نرى في الطبقة العاملة، والحركة النقابية إحدى قوى التغيير الحقيقي لأن مصلحتها الوطنية الحقيقية تكمن في التغيير الذي يؤدي إلى الحفاظ على الوطن والدفاع عنه أرضاً وشعباً، ولكي نقطع الطريق على كل القوى المعادية بما فيها القوى المتطرفة من كل شاكلة ولون لابد من تحصين الطبقة العاملة من التأثيرات السياسية والدعائية الغريبة عنها، بإطلاق قوى الطبقة العاملة الجبارة، وذلك بتأمين حقوقها السياسية والاقتصادية والديمقراطية لمواجهة المشروع التقسيمي الطائفي المعادي لمصلحة الشعب السوري، ومنه الطبقة العاملة.