بصراحة: الطبقة العاملة قوة للتغيير الحقيقي!!
الأزمة الوطنية، وما أفرزته من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية عكست نفسها بأشكال متفاوتة الشدة على طبقات الشعب السوري المختلفة، ومنها الطبقة العاملة السورية، بحيث غيرت وبدلت الكثير من المفاهيم، والمواقف التي كانت سائدة عند الجميع قبل الأزمة الوطنية، فقد صهرت الكل في بوتقتها، وبدأ الفرز في المجتمع، والدولة يتضح،
وإن كان في الدولة أقل وضوحاً نتيجةً للتعقيدات والتداخلات في المصالح والمواقف في جهاز الدولة مما يعيق ظهور عملية الفرز الضرورية من أجل التغيير الحقيقي الذي سيستند إلى موازين القوى الجديدة التي تتشكل في المجتمع، وجهاز الدولة، و لها مصلحة حقيقية في عملية التغيير الجذري السلمي التي ينشدها الشعب السوري، وفي مقدمته الطبقة العاملة السورية المكتوية أكثر من غيرها بنار الفساد، والسياسات الاقتصادية الليبرالية سواء بأجورها المتدنية غير المتناسبة مع متطلبات المعيشة الضرورية بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، أو في مطالبها المشروعة التي عبرت عنها النقابات من خلال المؤتمرات النقابية، والكتب المرسلة من القيادات النقابية للجهات الوصائية، أو تهديد العمال في لقمة عيشهم مما عرض الكثيرين من العمال للتسريح من العمل و المثال أكثر وضوحاً عند عمال القطاع الخاص الذين سرح منهم عشرات الألوف، وانضموا إلى الجيش الجرار من العاطلين عن العمل، ولا يمكن أن ننسى أيضاً القيود التي وضعت في طريق العمال للدفاع عن حقوقهم، وخاصةً حق الإضراب الذي هو أهم وسائل الدفاع السلمية عن المطالب و الحقوق العمالية في مواجهة الغلو الرأسمالي في استغلال عرق و جهد العمال، و رمي الفتات لهم الذي« لا يغني و لا يسمن من جوع».
إذاً جزء هام من المجتمع الذي يجري فيه الفرز على أساس المصالح هو الطبقة العاملة، وهناك مؤشرات على ما يجري داخلها من تحولات أبرزها:
أنها لم تنجر خلال الأحداث الراهنة إلى ذلك الشكل من الحراك الذي لم يعبر عن مصالحها كطبقة، ولم تتفاعل مع تلك الشعارات التي جاءت من الخارج والمعبرة عن مشروع آخر ليس مشروع الطبقة العاملة الذي هو مشروع وطني عموده الفقري الدفاع عن الوحدة الوطنية، ووحدة سورية ضد المشروع التفتيتي الاستعماري الجديد تحت شعار«الحرية والديمقراطية»، ولكن في الحقيقة فإنه يحمل لشعبنا، ووطننا الموت والدمار، والتقسيم، وهذا ما لا يقبل به الشعب السوري، و قواه الوطنية والشريفة، ومنها الطبقة العاملة صاحبة الإرث في الدفاع عن الوطن، والدفاع عن حقوقها المشروعة التي تناضل من أجل تغيير حقيقي.
موقفها من الفساد الكبير ومخاطره التي استشعرت به الطبقة العاملة مبكراً، وعبرت عن تخوفاتها من تلك السياسات الاقتصادية على حقوقها ومكتسباتها بالرغم من التطمينات المقدمة من القيادات السياسية والنقابية على أن حقوق العمال مصانة ولن تمس، ولكن ما جرى أثبت صحة توقعات العمال، والكثير من القيادات النقابية التي كانت على صلة وثيقة بالعمال ومطالبهم.
موقف العمال من أداء قيادة الحركة النقابية من السياسات المتبعة المضرة بالقطاع العام و تحويله لقطاع هامشي تابع للقطاع الخاص الذي أظهرت الأحداث الحالية مدى ارتباطه بمصالحه فقط، ولا تعني الكثيرين منه سوى تحقيق الأرباح الطائلة في وقت السلم، والهروب بما نهبوه من تعب العمال وعرقهم في الأوقات العصيبة، هذا جانب، والجانب الآخر من موقف العمال تجاه أداء القيادة النقابية أنها كانت في حالة سلم دائم مع الحكومات المتعاقبة تحت شعار«التشاركية والمسؤولية المشتركة في اتخاذ القرارات» مما أفقد النقابات إمكانية الدفاع عن المطالب العمالية،وخاصةً العمال الذين سرحوا دون وجه حق سواء في القطاع العام أو الخاص مما وسع الهوة بين النقابات والعمال، وهذا ما كانت تسعى له القوى المتنفذة في الحكومات السابقة، أي تجريد النقابات من أهم قواها، وهي العلاقة القوية مع الحركة العمالية كأداة للتغيير المنشود.
إن عدم انجرار الطبقة العاملة السورية إلى الحراك بشكله الذي تطور إلىه، الذي حاولت قوى غريبة عنه ركوب موجته وتسييره باتجاهات أخرى بالضد من مصالحه التي خرج من أجلها الحراك الشعبي السلمي الذي أكد على وحدة الشعب السوري في مواجهة آلة الفساد والنهب اللتين أفقرتاه، وحرمتاه من حقوقه المشروعة التي عبر عنها في بداية الحراك لتأتي قوى عدة من الداخل، والخارج لتقطع الطريق على أمكانية تطوره السلمي الديمقراطي، إن هذا الموقف هو تعبير عن موقف وطني وطبقي مسؤول لدى الطبقة العاملة سيُؤسس عليه في ميزان القوى الوطني الذي يتشكل الآن، وهو أداة التغيير الحقيقي الذي سيصنعه شعبنا من أجل سورية الجديدة المقاومة للمشاريع الاستعمارية بكل أشكالها، وألوانها.