بصراحة: القطاع العام الصناعي يحتاج لإصلاح حقيقي وليس للتفتيت
القطاع العام الصناعي أكثر القطاعات الاقتصادية التي أثارت ومازالت تثير جدلاً واسعاً في الأوساط النقابية والاقتصادية، وهذا طبيعي كون هذا القطاع الهام هو الدريئة التي جرى تصويب النيران الغزيرة عليها من جانب قوى السوق، وذلك عبر إجراءات جدية اتخذتها بحقه الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي.
ويبدو أن الحكومة الحالية ستستكمل المشوار الذي بدأته الحكومة السابقة عبر طرحها لمشروع جديد لإصلاح القطاع العام الصناعي من خلال تحويل الشركات العامة إلى شركات قابضة، مجالس إداراتها التي ستتشكل لها صلاحيات واسعة في وضع القوانين الخاصة لكل شركة، ابتداءً بالأنظمة الداخلية التي ستنظم العلاقة مع العمال، وليس انتهاءً بالتصرف بالأصول الثابتة (العقارية) من أجل دعم الشركات الخاسرة (المخسرة)، والتي وفقاً للمشروع الجديد، سيجري إنهاؤها كلياً عبر التصرف بأصولها الثابتة تحت شعار (الإصلاح) الذي تبنته، ويجري التحضير له جيداً عبر الاجتماعات المكثفة التي عقدت بحضور ممثلين عن الحركة النقابية، والملاحظ بهذا النوع من المشاريع (الإصلاحية) التي تطرح الآن أنها تأتي في ظل أزمة عميقة، اقتصادية – اجتماعية، أحد مسبباتها الرئيسية السياسات الليبرالية التي جرى تطبيقها في السنوات القليلة الماضية، والتي كان جوهرها حسب توصيات صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المالية الإمبريالية، التخلص من القطاع العام (الصناعي ــ الزراعي)، عبر إضعافه وتفتيته لكي يفقد القدرة الحقيقية على أداء دوره في قيادة الاقتصاد الوطني، وهذا التوجه الجهنمي الذي عُمل على أساسه قد لعب دوراً مهماً في خلق الأزمات الاجتماعية والسياسية التي نرى آثارها الآن، والتي دفعت بالحركة الشعبية إلى الانفجار والنزول إلى الشارع لتطرح مطالبها المشروعة السياسية والاقتصادية التي سلبت منها بفعل عمل ممنهج لسنوات طويلة من التغييب القسري للحقوق المشروعة المطالب بها.
إن المشاريع (الإصلاحية) المطروحة الآن ليست بريئة في مضمونها وتوجهاتها، بل هي كسابقاتها من المشاريع التي طرحت في عهد الحكومة السابقة، بينما بدأ يبرز على الأرض موقف قوي في مواجهة ما جرى تبنيه باسم (اقتصاد السوق الاجتماعي)، وهو ضرورة تبني نظام اقتصادي جديد يؤمن العدالة الاجتماعية ويحقق النمو المطلوب وطنياً لمواجهة متطلبات التنمية الحقيقية، التي ستسهم إسهاماً قوياً في الشروع بحل للأزمات المستعصية كأزمة البطالة والفقر ورفع المستوى المعيشي المتدني أصلاً بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية، وإعادة توزيع الثروة توزيعاً عادلاً بين الفقراء والحيتان الذين نهبوا الأخضر واليابس.
إن واقع القطاع العام الصناعي الآن ليس بحالة سوء مطلق، وبالرغم من كل ما تعرض له من نهب وإهمال، وضمن إمكاناته المتاحة التي وضع بها وجردته من إمكانية تطوره الطبيعي، فإنه مازال يؤدي دوراً مهماً من خلال مساهمته الفعالة في تأمين الموارد اللازمة لخزينة الدولة، ومع هذا مازال الهجوم مستمراً على دوره.
إن الحركة النقابية في خضم الجدل الدائر الآن حول المشاريع (الإصلاحية) المطروحة، تتحمل جزءاً أساسياً من المسؤولية في الدفاع عن القطاع العام دفاعاً حقيقياً عبر مواجهة تلك المشاريع وطرح بدائل حقيقية للإصلاح تعبر عن المصالح الوطنية الحقيقية للطبقة العاملة، التي من مصلحتها الحفاظ على القطاع العام الصناعي قطاعاً رائداً ومتطوراً، وهذا ممكن عبر إعادة تأميم القطاع العام الصناعي من ناهبيه وضخ الاستثمارات الضرورية له لكي يستعبد عافيته ثانية، وانتزاع إمكانية الرقابة الحقيقية على شركات القطاع العام الصناعي والزراعي من خلال الرقابة العمالية والنقابية على أداء هذا القطاع، وهذا يكون بتثبيت حقوق الرقابة دستورياً الذي يقطع الطريق على كل العابثين من قوى السوق وحلفائهم في الحكومة، لكي لا يبقى القطاع العام الصناعي مسخراً لتحقيق مصالحهم الاقتصادية والسياسية التي هي على نقيض من مصالح الشعب السوري الذي ينشد أن يعيش بكرامته وحريته في وطنه.
إن كل المشاريع المشبوهة لإضعاف القطاع العام الصناعي والتفريط به ستسقط إذا ما استطاعت الطبقة العاملة وحركتها النقابية التخلص من قيودها المفروضة عليها، وتحقيق استقلالية قرارها الذي سيمكنها من الدفاع عن مشروعها الحقيقي في أن يكون القطاع العام، وخاصةً الصناعي والزراعي، قوياً وقائداً من أجل التنمية ومواجهة أعداء الوطن في الداخل والخارج.