بصراحة: كي يكون الصوت النقابي مسموعاً!!

بصراحة: كي يكون الصوت النقابي مسموعاً!!

بعد فترة طويلة مما يمكن تسميته بالحرب الباردة، ظهر في الآونة الأخيرة الخلاف واسعاً بين كوادر الحركة النقابية وممثلي الحكومة، وفي كل شيء.. هذا ما تبينه مجريات اللقاء الذي جرى مع الحكومة في الاجتماع الثامن لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال، ولكن الملاحظ من تجربة اجتماعات كهذه أنها تأتي لذر الرماد في العيون، أو لتسويق برنامج الحكومة المتعارض تماماً مع ما تطرحه الكوادر النقابية وقيادة الاتحاد، وهذا يبدو واضحاً من خلال التقرير الاقتصادي الناقد للنهج الحكومي الاقتصادي، ومنعكسات هذا النهج على مستوى معيشة الطبقة العاملة وجميع ذوي الدخل المحدود، من حيث الأجور ومن حيث واقع القطاع العام الذي يترنح تحت ضربات الحكومة الموجعة، حيث تحاول الحركة النقابية الدفاع المستميت عنه ضمن إمكانياتها المتاحة، ووفقاً للشروط التي تعمل بها الحركة النقابية، والتي تمنعها – حتى الآن- من اتخاذ القرارات اللازمة دفاعاً عن القطاع العام وحقوق الطبقة العاملة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الحكومة تعمل بكامل حريتها وليست مقيدة بشروط من أجل تنفيذ برنامجها (الإصلاحي) اقتصادياً واجتماعياً، بل هي مدعومة بقراراتها وخططها من جانب الـ20% الذين ينهبون الـ80% من الشعب السوري، وهذا واضح من حالات الاغتناء السريع والفاحش التي حدثت في سورية مؤخراً على حساب الملايين من المواطنين الذين يعانون من الجوع والفقر والقهر بسبب ما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية، فالأرقام تؤكد ما نشير إليه من حيث اتساع جيش العاطلين عن العمل، وضعف الأجور وعدم تناسبها مع الأسعار التي ترتفع مع كل مطلع شمس، فالطبيعي إزاء هذا الوضع المتردي أن تكون كوادر الحركة النقابية على تعارض واضح مع نهج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي، ولعل ذلك كان واضحاً في العديد من المداخلات التي ألقيت في الاجتماع بغياب الحكومة (والتي نشرت «قاسيون» معظمها)، بينما ما يجري الحديث حوله بحضور الحكومة يكون كلاماً مخففاً ومنتقى أيضاً، وهذا انتقاص من حقوق أعضاء المجلس الذين من المفترض أن يقوموا بالرد بجرأة على ما يقوله الوزراء مباشرة، أي من المفترض أن يشكل وجود الحكومة فرصة سانحة لكي تواجَه بما تقوم به من إجراءات وتوجهات أوصلت الطبقة العاملة إلى ما وصلت إليه الآن. ونرى أنه من السائد في هذه الاجتماعات أن الحكومة، من خلال وزرائها، تقوم باستعراض القدرات الكلامية والتنظيرية لجهابذتها، والوقت يكون ملكاً حصرياً لهم لكي يقولوا ما يشاؤون. ولكن بالمقابل فإن الوقت محدود للكوادر النقابية حرصاً على وقت الوزراء الثمين، والذي يجب ألا يُهدَر بالمداخلات النقابية، فالنقابيون يُطلَب منهم تقديم ملاحظاتهم ورفعها بمذكرة إلى الحكومة تمهيداً لاجتماعات مستقبلية بين قيادة الفريقين، وعندها تسوى الأمور على طريقة الاجتماع الذي تم بين النقابات والحكومة لحل قضية العمال المؤقتين الذين يتعرضون الآن لأوسع عملية تسريح لمخالفتهم شروط التعيين ولمخالفتهم قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، علماً أنهم على رأس عملهم منذ سنوات طويلة!!

إن الحركة النقابية تمر الآن باستعصاء حقيقي، يجعلها غير قادرة على مواجهة ما يجري، فهي لا تستطيع غض الطرف عما تقوم به الحكومة تجاه معيشة الطبقة العاملة والقطاع العام، وفي الوقت ذاته هي غير قادرة على جذب الطبقة العاملة إلى جانبها من حيث تعبئتها وتعزيز الثقة بينهما، وشدها إلى برنامج يؤمِّن للحركة النقابية موقفاً متميزاً في ميزان القوى السائد الآن، والمختل لمصلحة الأغنياء وحلفائهم الحكوميين.

إن الحركة النقابية مطالَبَة اليوم بأن تتجاوز ذاك الاستعصاء في أدواتها وشروط نضالها وقدرتها على اتخاذ القرار المستقل دون تدخل من أية جهة كانت، وبهذا فقط تؤمِّن الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية لنفسها موقفاً فاعلاً في الخارطة السياسية والاجتماعية، وعندها فقط يكون صوتها مسموعاً بقوة.