بصراحة: عقود العمل الفردية (عقود إذعان للعمال)..

بصراحة: عقود العمل الفردية (عقود إذعان للعمال)..

بناءً على قانون العمل رقم /17/، وعلى التعليمات التنفيذية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وعلى تعليمات غرف الصناعة السورية، أخذ أرباب العمل بإصدار عقود العمل الفردية تحت عنوان (عقد عمل محدد المدة)، حيث يقضي القانون الجديد بإنشاء عقود عمل جديدة بدلاً من عقود العمل السابقة على صدور القانون الجديد، حيث تتضمن هذه العقود واجبات العامل والمحظورات التي يتوجب عليه تجنبها وحقوقه من أجور وإجازات وتعويضات... إلخ.

ولكن هذه العقود التي بدأت تصدر تباعاً ليست موحدة، بل إنها مختلفة عن بعضها البعض، وهذا يرجع للشروط الخاصة التي يطرحها كل رب عمل على عماله، والتي قد تتعارض مع أحكام قانون العمل الجديد رغم تخلفه، وهذا العمل بحد ذاته يعني تشديد الطوق حول مصالح العمال وحقوقهم، وجعلهم رهينة لهذا العقد المبرم وفق معادلة (العقد شريعة المتعاقدين). وإذا ما فكر العامل في مناقشة هذا العقد الذي سيوقع عليه ويعتبر ملزماً له بالعمل وسيخضع لشروطه كاملة، فإن مصيره سيكون الشارع، وسيفقد فرصة العمل التي وجدها بشق النفس في ظل البطالة الواسعة التي تشهدها البلاد، والتي تتسع يوماً بعد يوم نتيجة للنهج الاقتصادي النيو ليبرالي للحكومة، حيث آخر همه إيجاد فرص عمل حقيقية للوافدين إلى سوق العمل، رغم أنها تبلغ ما يقارب /13%/ حسب العديد من المصادر الاقتصادية.

هذا الوضع يجعل وضع العامل أكثر صعوبة من حيث قدرته على الدفاع عن حقوقه في أجر عادل ويوم عمل من ثماني ساعات وتعويضات وإجازات وضمان صحي... لأن الهم الأساسي للعامل سيتجه نحو بقائه على رأس عمله، ولن يلتفت إلى الشروط المجحفة التي سيضعها رب العمل ويحاصره بها، ويهدده بها أيضاً، إذا ما حاول مخالفتها يوماً ما.

لقد جاء قانون العمل بمواده ضامناً لحقوق رب العمل كاملة، وقدّم له كل الأسلحة اللازمة التي تمكنه من السيطرة والتحكم، ولكنه في الوقت عينه، لم يقدم للعامل أي ضمان يستطيع من خلاله إثبات حقه والدفاع عنه، حتى وإن لجأ إلى القضاء..

فالقضاء وفق هذا القانون، سيصعب عليه أن يكون عادلاً ومنصفاً لحقوق العمال، لذلك فهو سيخضع لمشيئة رب العمل، ولن يستطيع فعل شيء للعامل إذا ما أراد العودة إلى عمله حتى لو كان مؤيداً بحكم قضائي، لأن لرب العمل الحق برفض هذا الحكم الناطق باسم الشعب السوري. فأي قانون عادل هذا؟؟

بسبب هذا الوضع المستجد على أوضاع العمال وحقوقهم ومكاسبهم في القطاع الخاص، فإن الحركة النقابية وقيادتها ومكاتبها المتخصصة وخاصة الشؤون القانونية مدعوة أكثر من أي وقت آخر لإيجاد الطرق والسبل الكفيلة بمراقبة العقود الصادرة عن أرباب العمل، ودراستها والتصدي لكل ما يسيء لحقوق العمال ومكاسبهم التي حصلوا عليها والتي قد يحصلونها لاحقاً، مع العلم أن بعض العقود نصت على عدم أحقية العامل بالانتساب إلى أية جمعية أو خلافه إذا كانت تتعارض مع مصالح رب العمل، والمقصود بذلك النقابات، فعندما يكون شرط الانتساب إلى النقابات مخالفاً لمصالح أرباب العمل فإن هذا يعني تجريد العمال من قوتهم ومن ممثلهم الشرعي الذي يتوجب عليه الدفاع عن حقوقهم كما هو وارد في قانون التنظيم النقابي، إذ أن قضية الانتساب إلى النقابة وفقاً للعقد الموقع بين العامل ورب العمل، سيكون مخالفاً لشروط العقد، وبالتالي سيتحمل العامل تبعة هذه المخالفة التي قد تصل إلى تسريحه من عمله.

إن مفاعيل هذا القانون وتطبيقاته العملية بدأت تظهر، وما كنا نحذر منه ويحذر منه آخرون بمن فيهم العديد من القيادات النقابية قد أمسى حقيقة مؤلمة، وها هو القانون الجديد قد بدأ يجر الويلات على العمال، وما الكلام عن توازن الحقوق في هذا القانون بين العمال وأرباب العمال إلا فقاعات تطايرت سريعاً، وأصبح الحديث الآن عن ضرورة تعديل الكثير من مواد هذا القانون مسألة جدية، وحتى يصبح هذا التعديل المنشود حقيقة سيحتاج إلى الكثير من العمل القانوني والنقابي التنظيمي، وربما في مقدمة ما يحتاجه ذلك هو شد العمال في القطاع الخاص إلى مواقع الحركة النقابية ووضعهم تحت مظلتها من خلال توسيع دائرة الخدمات الاجتماعية والقانونية والوقوف إلى جانب احتجاجاتهم التي قد تنشأ نتيجة الشروط المجحفة التي يفرضها أرباب العمل عليهم في العقود التي تبرم الآن.

إذاً المهام التي تواجه النقابات الآن صعبة ومعقدة وتحتاج إلى قرارات جريئة في مواجهة التحديات المستجدة، فهل تتخذ النقابات ما يلزم من مواقف من أجل أن تكون ممثلة حقيقية للعمال في مواقعهم الإنتاجية والخدمية؟؟