بصراحة : مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال والقضايا الملحة
عقد في التاسع والعشرين من الشهر الفائت اجتماع دوري لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال تضمن جدول أعمال أقره المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال
واللافت للنظر خلو جدول الأعمال من القضايا العمالية المثارة الآن، والتي يجري فيها نقاشات موسعة على شاشات التلفزة، وفي الصحف المحلية، ونعني بذلك الموقف من قضية رفع الدعم الجاري تداولها، وحزمة القوانين المطروحة من وزارة العمل التي يراد تعديلها، حيث تحتاج إلى أن يشارك في نقاشها وإبداء الملاحظات على موادها كوادر الحركة النقابية ليس من وجهة نظر حقوقية مع أهمية ذلك، بل أيضاً من وجهة نظر سياسية لها علاقة بطبيعة المرحلة القادمة لما بعد الأزمة التي سيشتد فيها الصراع السياسي والطبقي بين من سيحاولون الإبقاء على آليات الفساد والنهب، وبين الفاسدين والمتشددين في الداخل والخارج، وبالتالي إعادة توزيع الثروة، ومركزتها أكثر مستفيدين إلى الحدود القصوى من النتائج التي ستخلفها الأزمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا الدور الذي تلعبه قوى النهب والفساد يحمل مخاطر كبيرة ليس على حقوق العمال فقط، كما فعلوا حين إقرار قانون العمل رقم«17» الذي حصد العمال في القطاع الخاص نتائجه الكارثية، ودفعوا فاتورة باهظة التكاليف لم يدفعها كل من وافق عليه، وساهم في تمرير السياسات الليبرالية سواء بقناعته أم بقوة التبعية للجهات الفارضة للسياسات الاقتصادية تحت شعارات، ومسميات اتضح للقاصي والداني خطأ مسايرتها، والسير خلفها.
إن القوى النقيضة لقوى الفساد موضوعياً هي القوى التي تمثل مصالح أغلبية الشعب السوري التي لا مصلحة لها مع قوى الفساد والنهب، وهذا يرتب عليها مجموعة كبيرة من المهام والخطوات في اتجاه تعزيز الأدوات الكفيلة في مواجهة تلك القوى الفاسدة، وأحد تلك المهام، النضال من أجل إقرار تلك القوانين بشكل يضمن حقوق العمال السياسية والاقتصادية، وخاصةً الحق بالعمل دون تهديد بلقمة العيش بحكم انحياز القانون لأرباب العمل، والتجربة التي نعيشها خير شاهد، وهذا يتطلب موازين قوى ضاغطة عمودها الفقري الطبقة العاملة السورية، وكل الطبقات الأخرى المتضررة من نهب قوى الفساد لمقدرات الاقتصاد الوطني برمته سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص المنتج، من هذه الزاوية يأتي استغرابنا لعدم ورود بند في جدول الأعمال يتضمن نقاش ما يطرح من تعديل على قوانين العمل وقانون التأمينات الاجتماعية.
وبهذه المناسبة فإن أموال العمال المصادرة من صندوق الدين العام كانت نقطة نقاشية على شاشة التلفزيون، حيث جرى تبرير المصادرة لأموال العمال بأنها استثمرت في الكثير من المشاريع الحكومية، حيث لا أحد يعلم مقدار الأموال المسروقة من تلك المشاريع المنفذة، ولم يجر التطرق لضرورة إعادتها مع فوائدها، كي تستثمر في مطارح اقتصادية وخدمية تعود بالنفع على العمال، وهم أحق في الانتفاع الحقيقي من عائدات أموالهم، وهنا تكمن مسؤولية النقابات بأنها كانت رخوة في مواقفها تجاه إعادة الأموال المستولى عليها من صندوق الدين العام.
لقد قلنا في «زوايا» سابقة أن كوادر الحركة النقابية الملتصقين بقضايا العمال لديهم مجسات استشعار طبقية تمكنهم من اكتشاف المخاطر المحدقة بشكل مبكر، وهذا ما جرى عندما كانت الكوادر النقابية داخل اجتماعات المجلس وخارجه تتحدث عن السياسات الليبرالية، ومخاطرها على الاقتصاد الوطني وحقوق الطبقة العاملة ومصالحها، واليوم نراها كذلك في اجتماع مجلس الاتحاد العام، فقد تمت الإشارة الواضحة لما يتم تداوله الآن حول نية الحكومة رفع الدعم تحت حجة تحسين سعر الصرف، وحماية الليرة السورية، وتخفيض نسب التضخم، وإعادة توزيع الدعم لمستحقيه، والمخاطر السياسية والاجتماعية الناجمة عن خطوة كهذه لو تمت مع العلم أن التصعيد السياسي والعسكري وصلا إلى حدودهما القصوى، فكيف إذا وصل التصعيد الاقتصادي إلى حدوده القصوى أيضاً، ماذا سيحمل من مخاطر حقيقية على وطننا؟ نعتقد أن الأعداء في الداخل والخارج لديهم رغبة شديدة لإيصال الأمور إلى خواتمها التي تجعل مصالحهم الاقتصادية والسياسية محققة، وهذا ما يجب مقاومته بكل الوسائل والطرق التي تكفل إسقاطه.