بصراحة: الحكومة تحرم النقابات من قواعدها
تشكو القيادات النقابية في الكثير من المناسبات، من صعوبة العمل التنظيمي (النقابي) في صفوف عمال القطاع الخاص، في الوقت الذي تتناقص فيه أعداد العمال في القطاع العام الصناعي لأسباب كثيرة، أهمها القرارات الحكومية المتخذة بعدم تشغيل أية عمالة جديدة في منشآت القطاع العام الصناعي تحديداً، وتهجير ما تبقى من عماله إلى مواقع أخرى تحت شعار (العمالة الفائضة)، وإن المعامل خاسرة (مخسَّرة) نتيجة توقيفها عن الإنتاج، وبالتالي فالحل الأمثل من وجهة نظر الحكومة هو طرح هذه المنشآت للقطاع الخاص، لاستثمارها أو إدارتها، مع ما تبقى فيها من عمال قد لا يرغب المستثمر باستخدامهم، حيث سيعمل على التخلص منهم بأشكال وطرق مختلفة.
والأسئلة التي تفرض نفسها أمام ما يجري: ما هو مصير الحركة النقابية إن استمرت الحال على ما هي عليه الآن من التناقص الحاد في أعداد العاملين في القطاع العام؟ هل سيكون مستقبل الحركة النقابية قياداتٌ بلا قواعد عمالية؟ هل التوجهات الليبرالية للحكومة وموقفها من القطاع العام الصناعي القصد منها إضعاف دور الحركة النقابية في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، ومنها الدفاع عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة السورية في القطاعين العام والخاص؟
لقد لعبت الحركة النقابية والعمالية السورية دوراً مهماً وأساسياً في مراحل سابقة ومن المفترض الآن أن تستمر بواجبها في الدفاع عن القضايا الوطنية، والوقوف بحزم في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحقوقها، ولا يمكن لها أن تتخلى عن هذا الدور المشرف، وإلا فقدت مبرر وجودها وشرعيتها التي اكتسبتها من خلال نضالها ومواقفها الوطنية، التي لا يمكن لأحد أن ينكره عليها، حتى أعدائها الطبقيين الذين يسعون الآن لتجريدها من أهم مقومات قوتها، ألا وهي قواعدها العمالية التي تعاني من تناقص مستمر، كما تؤكد تقارير المؤتمرات النقابية، وآخرها الوثائق الصادرة عن المؤتمر الـ25 للاتحاد العام لنقابات العمال.
فالحركة النقابية الآن تحتار بين أمرين: من جهة لم تستطع الوصول إلى عمال القطاع الخاص بالشكل الذي يمكنها من تعويض الخسارات الحاصلة في عمال القطاع العام، ومن جهة أخرى لم يجر بشكل حازم التصدي للتوجهات الحكومية المتعلقة في الخلاص من عمال القطاع العام، فهي (أي الحكومة) تقوم بعمليات تسريح واسعة لأعداد كبيرة من العمال: في حلب عمال التبغ، وفي طرطوس عمال مصفاة بانياس الموسميين، المراقبين البيطريين في درعا، وغيرهم الكثير ممن يتعرضون لعمليات التسريح القائمة على قدم وساق، بسبب وبدون سبب، دون أن تلقى الحكومة لموقفها هذا أدنى مقاومة من النقابات، للدفاع عن العمال المسرحين الذين أمضى معظمهم في العمل أكثر من عشر سنوات، وها هم يُلقى بهم الآن إلى الشارع ليرفدوا الجيش الجرار لأعداد العاطلين عن العمل، وكلنا يعلم المدى الذي وصلت إليه الأوضاع المعيشية من تردٍّ وسوء، نتيجة ضعف أجور العمال وغلاء الأسعار الفاحش.
أرسل الاتحاد العام عشرات وربما مئات الكتب لرئاسة الوزراء طالباً منها العودة عن قرارات التسريح الجارية، ولكن دون جدوى، على الرغم من إدعاء الحكومة من خلال وزرائها بأنها لن تسرح أي عامل، بل ستحافظ على عمال القطاع العام كمحافظتها على القطاع العام نفسه، ولكن تلك الوعود الخلبية تذهب مع الريح أمام كل عملية تسريح جديدة تقوم بها الحكومة، ويبقى العمال محتارين، لا خيارات أمامهم واضحة جراء عمليات التسريح هذه، فلا النقابات استطاعت الدفاع عن حقهم بالعودة للعمل، ولا الحكومة استجابت لنداء اتحاد العمال من أجل إعادتهم إلى عملهم.
ما الحل إذاً للخروج من عنق الزجاجة التي جعلت الحكومة فيها النقابات في تناقض مع قواعدها العمالية؟!
إن الخروج من هذا المأزق هو العودة إلى هذه القواعد عبر الدفاع عن حقوقها، وخاصة حقها في استمرارها بالعمل، وحقها بأجور عادلة، وحقها في الدفاع عن هذه الحقوق والمكتسبات بكل الأشكال، بما فيها الإضراب والاعتصام والاحتجاج.
وللخروج من المأزق يجب أن يتم مواجهة الحكومة لوقف النهج الليبرالي التدميري، المتمثل في تفريطها بالقطاع العام وبيعه بأبخس الأثمان.
وللخروج من المأزق يجب أن تتم المحافظة على استقلالية قرار الحركة النقابية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما فيها تبنيها لحق الدعوة للإضراب والاحتجاج.