السكن العمالي.. الهواجس المشروعة
ليس السقف الذي يحمي الرؤوس الطرية أحد أشكال الترف البشري، ومنذ المغارة الأولى كان الإنسان يبحث عما يحمي هذا الرأس، وعن خصوصيةٍ لحماقاته المكشوفة وغير السرية، وبالأمس السرمدي وجدت البشرية في البيوت أمكنة خالدة تعني وجودها.
وهكذا توارث الإنسان فكرة السقف من جيل إلى آخر، وتنوعت التسميات بعد مغارته، خيمة وبيت ومنزل.. قصر وإيوان ومجلس ودار.. سلسلة من التسميات كانت تعني جميعها المكان الذي يحمي الرأس مهما كان حجمه.
وتنازعت البشرية عندما طورت الفكرة إلى الحي والقرية والمدينة ومن ثم الدولة، ومعها صار الملاك والمستأجرون و(المرابع) نماذج بشرية عن امتياز المكانة، والسطوة، وسلطة الملك.. ولكن دائماً كانت الغاية واحدها البيت الذي يحمي الرأس.
وهنا.. نحن داخل هذا الصندوق البشري في مسعاه إلى بيته، وفي صعوده المشروع نحو فكرته المتوارثة، وهنا نحن نستعين على ذلك بأشيائنا، من نقطة العرق الحرة، إلى العرق الذي ينتهي بمكافأة آخر الشهر، ومنا من ينجح، وأغلبنا يلهث طوال العمر دون أن يصل إلى فكرته، ومن أجل هذا أيضاً (تشرعنت) الجماعات البشرية على شكل نقابات ومؤسسات ووزارات ودوائر، لتصير الفكرة بين أصابعها، والمطلب الفردي صار لسان المؤسسة والدائرة والوزارة، وظهرت الاستحقاقات، وبيانات الأحوال، والمسوحات، ودخل الانتهازيون قلب الفكرة وصار لهم بيوت، أما المستحقون فينتظرون دورهم في طابور ورقي.
في 3/2/2008 أصدرت رئاسة الوزراء القرار رقم 920 القاضي بتسجيل العاملين على السكن العمالي، ومنذ ذلك التاريخ أي قبل أربع سنوات، بدأ العمال يحلمون باستحقاقهم، والعيون كلها ترنو إلى (عدرا العمالية) رغم قسوة مناخها، وبيئتها، وتقدم العاملون عبر مؤسساتهم ووزاراتهم بسلسلة طويلة من التواقيع والشروط، وحسبت النقاط، ودفع كل من رست عليه الشروط الدفعة الأولى 75 ألف ليرة، وبعضهم دفع أكثر من عشرة أقساط.
المعلومات تشير إلى جاهزية 1600 شقة سكنية، ولكن الأسئلة المهمة ما زالت بلا أجوبة يقتنع بها المكتتبون، والجهات التي لديها الجواب تتردد، وتحوم حول الفكرة كما لو أنها تسرعت في هذا القرار.
لماذا حتى الآن لم يتم تحديد سعر المتر، والتكهنات من 8-12 ألف ليرة، أضف إلى ذلك الفوائد التي سيتم احتسابها، وفي الوقت نفسه تتواصل سلسلة التمديدات لسداد الدفعة الأولى آخرها إلى 28/2/2011.
ألم يكن من الأولى أن تكون الرؤية أكثر وضوحاً من البداية، ألم يكن ممكناً تحديد سعر المتر مع قرار الاكتتاب، بعض العاملين يقولون إنهم قد ينسحبون إذا كان السعر عالياً، وبعضهم قدم اعتراضات على أسماء لا تستحق.
بعض العاملين يعترض على الدور السلبي لاتحاد العمال في شأن يخصهم، أليس اتحاد العمال لسان حالهم، والمدافع الذي خولوه بالدفاع عنهم وعن مكتسباتهم، أين هو اتحاد العمال من حلم عامليه؟ أليست أربع سنوات بالوقت الطويل؟ أليس من حقهم الرؤية الواضحة؟ ألا يمثل هذا الاتحاد صوتهم القوي، أم أنه سيكتفي بتبريرات المرافق التي لم تنته، والجهود المبذولة لتسليم العاملين، والرتوش الأخيرة على المشروع، واللمسات الفنية التي ستجعل العامل ينام هانئاً على حلمه؟؟.
ببساطة.. الهواجس المشروعة للعمال يجب أن تؤخذ على محمل الجد من اتحادهم أولاً، ومن الجهات المنفذة لمشاريع السكن العمالي، لأنه ببساطة أشد.. عامل تحت سقف يملكه.. هو إعلان أمان مشروع الفكرة الأولى.
إجراءات إسعافية لتحسين الوضع المعيشي
إن من حق المواطن أن يشارك حكومته في صناعة القرار وصياغة البرامج التنموية، التي يمكن أن تؤدي إلى حل جزئي، ولكن هام، لمسالة الوضع المعيشي المتفاقم، وإذا كانت الحكومة مهتمة حقاً بتحسين الوضع المعيشي للمواطن السوري، بهدف تعزيز وتمتين أواصر الوحدة الوطنية الداخلية، وصولاً إلى إحساس المواطن بالعزة والكرامة والانتماء، يجب أن تخطو الحكومة بهذا الاتجاه خطوات هامة وجبارة، وهي ممكنة التنفيذ، إذا توفرت النية الصادقة لذلك:
1ـ يجب استعادة دور الدولة الرعائي الداعم لمواطنيها، كرعاية الأم لأبنائها، وتوفير مستلزمات أمنهم وراحتهم، وقبل كل شيء إلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وخاصة المازوت، وإعادة النظر ودراسة سعره، وتخفيضه بما يتناسب مع الدخل المحدود للأسرة السورية.
2ـ ضبط أسعار وتوفير المواد الأساسية التي يمكن أن تسيطر عليها الدولة، والتي تعتمد عليها السياسة الاقتصادية الاجتماعية، وهي السكر والأرز والحديد والاسمنت، وتحديد أسعارها مدعومة من الحكومة أيضاً بما يتناسب مع قدرة واحتياجات المواطن، ثم بعد ذلك سيتم بشكل تلقائي انخفاض باقي أسعار المواد التموينية والاستهلاكية، وكافة متطلبات الحياة، نظراً لارتباطها منطقياً ببعضها البعض.
3ـ يجب وفاء الحكومة بوعودها بتخفيض الهوة بين الرواتب والأجور، وذلك بإقرار باقي مخطط زيادة الرواتب الموعودة، والتي تماطل الحكومة بتأجيلها منذ أكثر من سنتين، والبالغة 35% من أساس الراتب.
4ـ زيادة حصة الإنفاق الاستثماري من الميزانية العامة للدولة، وإقامة مشاريع جديدة، وإعادة إحياء شركات القطاع العام ودعمها وتحديثها، لخلق فرص عمل تساهم في التقليل من الآثار السيئة لظاهرتين من المشكلات الاجتماعية التي فاقمتها السياسات الليبرالية، الفقر والبطالة.