في الشركات الإنشائية.. إدارات تمارس الفساد وتأكل حقوق العمال علناً!!
الإدارات البيروقراطية ترى أن الشركات الإنشائية ممتلكات خاصة بها، وهي تعمل على أساس الولاءات المختلفة للجهات التي تدعمها بغض النظر عن النتائج. وهي لا تألو جهداً من الحديث عن ضرورة دعم القطاع الإنشائي العام وحمايته وتطويره وتعزيز مواقعه، وتفعيل دوره الرئيسي في الاقتصاد الوطني، نعم هي تدافع عن مكاسبها وامتيازاتها، وترى في ضغط النفقات من رواتب وتعويضات العاملين منطلقاً لإعادة الهيكلة والإصلاح، وهي في الوقت نفسه ترتكب بحق شركات القطاع العام الإنشائي وبحق التنمية وبحق الوطن أثاماً كبيرة.
كانت مطالب الإدارات خلال سنوات طويلة، منح الشركات الإنشائية مشاريع من الدولة دون مزاحمة من القطاع الخاص، وقد تحقق هذا المطلب بعد دمج الشركات بمنحها /30%/ من مشاريع الدولة بالتراضي أو المشاريع الأخرى بالمناقصات مع القطاع الخاص، وكانت الإدارات تقول: إنها قطاع عام ولديها التزامات تجاه عمالها. كذلك لديها آليات وتريد استثمارها. وجاء الدمج تخصيصاً، فأخذت كل شركة تخصصها، وبدأت هذه الشركات وفروعها بمنح أكثر المشاريع التي تأخذها من الدولة للقطاع الخاص لقاء عمولات وحصص بين المتعاملين جميعاً، وهذا يعني أن مذكراتها التي كانت توجهها للجهات الوصائية بمنحها مشاريع الحكومة كان بهدف العمولات والرشاوى، وليس من أجل دعم الشركات الإنشائية كما كان يعتقد، ومع هذا الواقع الفاسد أصبح أكثر عمال الشركات الإنشائية في عطالة أو في أعمال خدمية للمتعهد حيث يجعله مطية له، وحتى في استلام المواد الأولية كالإسمنت والحديد وغيره يستلمه المتعهد، ويؤمن له المخزن ويشرف عليه، ويعمل المتعهد بتغطية من الشركة على أنه قطاع عام.
ليس هذا فقط بل تصرف الفواتير لإصلاح آليات الشركة دون حسيب أو رقيب، وتصرف مستحقات المتعهد قبل رواتب العمال، وتهب المكافآت الإنتاجية والتشجيعية والعمل الإضافي والجولات، وسوى ذلك من تعويضات إلى فئة من الإداريين«المدللين». وعلى الرغم من وجود لجان إدارية ومجالس إنتاجية ولجان نقابية وفرق حزبية فإن رأي المدير كان هو الأول والأخير.
تأخذ الشركة مشروعاً من الدولة لتعود وتطرحه الشركة لمتعهدين محضرين مسبقاً. يشكل مدير الشركة أو مدير لفرع لجنة لفض العروض، ويعطي أوامره للجنة بقبول عرض معين بعينه. علماً أن أغلب اللجان تكون مؤلفة من أحد عشر عضواً من الإداريين، ويوقع المدير كالعادة «صدق أصولاً» ويوقع الأخرون تباعاً، ويبقى توقيع الوزير في النهاية أمراً شكلياً.
وفي الوقت الذي نجد فيه هذا الفساد وهذا السخاء من فئة من الإداريين التي تمارس السرقة علناً، وفي ظل القانون نجد فجوراً آخر يرتكب بحق العمال، ومثال ذلك عشرات العمال المؤقتين في الشركة العامة للطرق والجسور، وبعض هؤلاء العمال أو أكثرهم يعملون في الشركة منذ أكثر من عشر سنوات ولكن بصفة مؤقت، وتجدد عقودهم تلقائياً، ولم يتم فصلهم نهائياً لأنهم يعملون في أعمال إنتاجية دائمة، وبعد صدور قرار تثبيت العمال الأخير بمرسوم من رئيس الجمهورية استفاقت الإدارة أخيراً من سباتها، وقررت تثبيت هؤلاء العمال، ولكن بالتحايل على القانون وعلى الأنظمة الداخلية، وعلى حقوق العمال فحين يقرر التعيين من تاريخ التثبيت، هذا يعني نقصاً كبيراً في رواتب العمال الحقيقية أي ما يعادل 50% من رواتبهم، وقد جاء في طلب إعادة التعيين الذي وزعته الإدارة ما يلي: «عملاً بأحكام المرسوم التشريعي رقم62 تاريخ 5/6/2011 القاضي بإعادة تعيين العمال المؤمنين، وتعليمات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 1090تاريخ 19/6/2011، أرجو الموافقة على إعادة تعييني لدى الشركة وفق أحكام المرسوم التشريعي المذكور أعلاه، مذيلاً بجملة: واسقط حقي من أية دعوى أو طلب يتعلق بأية فروقات مالية عن إعادة تعييني».
وهكذا بلا خجل أو حياء تتصرف الإدارات بحق العمال.. وتأكل حقوقهم وتتحايل على القانون، وعلى العمال الذين يعملون منذ أكثر من عشر سنوات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تحاسب هذه الإدارات الفاسدة، التي تمارس الفساد علناً، والسخاء علناً لمصلحة المتعهدين وتأكل حقوق العمال على مرأى الجميع؟ وأحياناً يجري ذلك تحت يافطة حماية أموال الدولة والقانون، أخيراً لا بد من التأكيد إن الإصلاح السياسي الذي طالبنا به منذ سنوات قبل الإصلاح الإداري والاقتصادي هو الذي سيضع حداً لهذه الإدارات الفاسدة وهو الذي سيعيد للعمال حقوقهم المستحقة كاملة.